وقد أخبر- صلى الله عليه وسلم- أنه يطرأ على هذه الأمة افتراق واختلاف، وبين أن الفرقة الناجية هم من كانوا على مثل ما كان عليه- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، رضي الله عنهم، كما أخبر- صلى الله عليه وسلم- أن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، وقد وقع الأمر كما أخبر- عليه الصلاة والسلام- وبدأ الافتراق في الأمة منذ أن ظهرت الخوارج والرافضة، والمرجئة والقدرية، ثم تفرعت الفرق، وتعددت، وظهرت بدعة التعطيل التي يعرف أهلها بمؤسسها الجهم بن صفوان، وهم الجهمية، وتفرع عن بدعة التعطيل، فرق شتى اضطربت مذاهبهم في صفات الله، وفي كلامه، وفي القدر، فغلبت على الأمة هذه المذاهب، ولكن الله قد ضمن حفظ كتابه ودينه، فلم يزل في هذه الأمة من يقيم لها أمر دينها بالبيان، كما جاء في الحديث المشهور:"يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْه انْتِحالَ المُبْطِلِينَ وتَأْوِيلَ الجَاهِلِينَ وتَحْرِيفَ الغَالِينَ". وفي الحديث الآخر:"إنَّ اللهَ يَبْعَثُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لهذه الأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا". ومع هذا الافتراق، وهذا الاختلاف لابد من رد ما اختلف فيه الناس إلى كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، واعتبار ذلك بما كان عليه الصحابة، رضي الله عنهم، وإنهم كانوا على الهدى المستقيم، وقد وعد الله بالرضا والجنة السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، كما قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ