فحاصل الكلام أن الإيمان: إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح وهذا ما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم، أو بالقلب واللسان دون الجوارح كما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه أو باللسان وحده كما عند الكرامية، أو بالقلب وحده وهو إما المعرفة كما قال الجهم أو التصديق كما قال الماتريدي، وقول الجهم والكرامية ظاهر الفساد.
والاختلاف بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة صوري؛ فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب أو جزء من الإيمان مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو في مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه نزاع لفظي لا يترتب عليه فساد اعتقاد، والقائلون بتكفير تارك الصلاة ضموا إلى هذا الأصل أدلة أخرى، وإلا فقد نفى النبي - صلى الله عليه وسلم- الإيمان عن الزاني، والسارق، وشارب الخمر، والمنتهب فيما رواه البخاري (٢٤٧٥) ومسلم (٥٧) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، ولم يوجب ذلك زوال اسم الإيمان عنهم بالكلية اتفاقاً.
وأبو حنيفة - رحمه الله - من أهل السنة والجماعة أحد الأئمة الأربعة الفضلاء - رحمهم الله جمعياً- لا يجوز النيل منه ولا من غيره من الأئمة ولا انتقاصهم مع أنهم لم يدّعوا العصمة ولا يجوز ادّعاؤها لأحد منهم، والإمام البخاري وابن المبارك أجَلُّ من أن ينتقصا أبا حنيفة أو يوبخاه. رحم الله الجميع، وعفا الله عنا وعنهم، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.