فأقول وبالله التوفيق: لا شك أن الذكر من أمنع ما يتحصن به المسلم من عدوه المبين الشيطان الرجيم، فإن المسلم متعرض لوخس الشيطان ووساوسه، فإذا تحصن المسلم بالآيات القرآنية والأذكار الثابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانت له حصناً حصيناً من عدوه المتربص له، لذا كان المسلم مأموراً أن يكون مشتغلاً بالذكر في جميع أحواله في ليله ونهاره ويقظته وعند نومه، وغير ذلك من أحواله، وقد جاء فضل الذكر والحض عليه في نصوص كثيرة، لأن العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله، فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد ألا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وألا يزال لهجاً بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، لأن الشيطان يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر حتى يكون كالذباب، وقد جاء في فضل الذكر أنه من أوصاف عباد الله وأوليائه كقوله تعالى:"والذاكرين الله كثيراً والذاكرات"[الأحزاب: ٣٥] وقوله: "واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار"[آل عمران: ٤١] ، وفي صحيح مسلم (٢٦٧٦) ، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له: جُمْدَانُ فقال: "سيروا هذا جمدان سَبَقَ المفَرِّدون" قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".
والأذكار على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ذكر مطلق يقال في جميع الأحوال كقراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتكبير، وكل ذكر فيه تعظيم للرب -جل وعلا- والذي دل عليه قوله – صلى الله عليه وسلم –: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله" رواه الترمذي (٣٣٧٥) ، وابن ماجة (٣٧٩٣) ، من حديث عبد الله بن بسر –رضي الله عنه-.