ففي هذه الآيات دلالة على أن السماء محفوظة محروسة من الشياطين، فلا ينفذون منها ولا ينالون منها شيئاً، إلا ما يخطفه مسترق السمع من كلام الملائكة مما أوحى الله به، وتكلم به، فيصيب الملائكة من ذلك الغشي، فإذا أفاقوا تساءلوا عما قال الله، فيخبرون بذلك كما قال تعالى:"حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ"[سبأ:٢٣] .
ومسترق السمع إذا سمع شيئاً من كلام الملائكة ألقاه إلى من تحته، ثم يلقيه الآخر إلى من تحته، إلى أن تبلغ الكاهن، ولابد أن يرمى مسترق السمع بالشهاب المحرق، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقي الكلمة، وربما ألقاها قبل أن يدركه، كما ثبت في صحيح البخاري (٤٨٠٠) عن أبي هريرة –رضي الله عنه-: قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض -ووصف سفيان (أحد رواة الحديث) بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهابُ قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذبُ معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا: يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فَيُصَدَّقُ بتلك الكلمة التي سمع من السماء".