فقد أخبر- سبحانه وتعالى- أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من القرآن، فآمن بذلك أهل السنة، وأثبتوا الاستواء بمعناه، وقالوا: الاستواء معلوم- يعني: معلوم معناه في اللغة العربية؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين- والكيف مجهول. فكيفية الاستواء على العرش هي مما استأثر الله بعلمه، كما يقولون إن استواء الله تعالى لا يماثل استواء المخلوق. وقالوا: إن استواءه فعل من أفعاله التي تكون بمشيئته سبحانه وتعالى، وهو فعَّال لما يريد، والذي قال إنه يمكن استواؤه على بعوضة، أو لو أخبرنا أنه استوى على بعوضة لسلمنا بذلك- هو عثمان بن سعيد الدارمي، لا ابن تيمية- رحمهما الله- وقال هذا مبالغةً في الرد على من أنكر استواء الله على عرشه، ولا أذكر نص عبارته، ولو لم يأت بهذا التعبير لكان أولى، فهو- سبحانه وتعالى- على كل شيء قدير، والظاهر أنه لم يقل إنه تعالى يمكن استواؤه على ظهر بعوضة، بل لعله قال: لو أخبرنا بذلك لآمنا به. فإنه- سبحانه وتعالى- أصدق الصادقين، ولا يلزم من هذا الافتراض أن يكون ممكنًا فضلاً عن أن يكون واقعًا، فإنه- تعالى- قد قال:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)[الأنبياء:٢٢] . وأما القول بقدم العالم، أي: بقدم هذا العالم المشهود الذي منه السماوات، فقول باطل، فإن هذا العالم مخلوق في ستة أيام، كما أخبر الله، بل إن السماوات والأرض كان خلقها بعد تقدير مقادر الخلائق بخمسين ألف سنة، فهو محدث وليس بقديم، والقول بقدم هذا العالم الموجود هو قول ملاحدة الفلاسفة الذين يسمون الخالق سبحانه وتعالى- العلةَ الأولى، ومبدأَ الوجود، ويقولون إنه علة تامة للموجودات، والعلة التامة تستلزم معلولها، فهذا العالم قديم بقدم علته، ومعناه أن وجوده لم يُسبق بعدم، وكأن السائل يُعرض بالإمام ابن تيمية حيث يقول بقدم جنس العالم أو جنس المخلوقات، أو بتسلسل الحوادث، أو بدوام الحوادث بالأزل، وهذه عبارات مؤداها