للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما قول القائل: لماذا أمرنا الله بعبادته؟ وقد علم من يدخل الجنة ومن يدخل النار فجوابه أيضاً كما ذكرت أن على العباد أن يعملوا ولا يتكلوا على القدر كما قال -صلى الله عليه وسلم- لمن قال له: إذا كان ما نعمله قد فرغ منه ومضى به القدر فلماذا العمل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" انظر البخاري (٤٩٤٩) ، ومسلم (٢٦٤٧) وتفسير هذا أن من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة، هكذا جاء في الحديث وجاء هذا المعنى في القرآن في قوله سبحانه: "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى" وهذا التيسير لعمل أهل السعادة، أو عمل أهل الشقاوة هو الهدى والإضلال المذكوران في مثل قوله تعالى: "يضل من يشاء ويهدي من يشاء" [النحل:٩٣] فيهدي من يشاء بتوفيقه فضلاً منه، ويضل من يشاء بعدم التوفيق عدلاً منه، فهو تعالى يهدي من يشاء بفضله وحكمته ويضل من يشاء بعدله وحكمته، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

فالواجب على العباد أن يؤمنوا بشرع الله وقدره وأن يطيعوا أمره ونهيه، وأن يأخذوا بأسباب السعادة، وأن يحذروا من أسباب الشقوة وهذا ما فطر الله عليه العباد من الأخذ بالأسباب النافعة، وتجنب الأسباب الضارة، وإن كان ذلك كله مقدراً كما في طلب الرزق وطلب العلم، وطلب الأولاد، فلا يقول عاقل: إن كان الله قد قدر أن أكون عالماً، أو قدر أن يكون لي رزق، أو قدر أن يكون لي أولاد فسيحصل ذلك كله دون سعي ولا عمل، فهكذا سعادة الآخرة موقوفة على أسباب، وهي الإيمان والعمل الصالح، ولن تتحقق هذه السعادة إلا بأسبابها التي شرعها الله وقدرها سبحانه وتعالى، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>