أما هل وقع ذلك فعلاً فقد لا يكون كذلك. والذين يعاقبون، ويستحقون النار هم من بلغهم هذا الدين ولم يؤمنوا به، يقول الله -سبحانه وتعالى-: "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ"[الأنعام:١٩] أي: لأنذر به من بلغه، حتى ولو لم يرني ولم يشافهني فيه، فمن بلغه القرآن فهو منذر به، إذاًً القرآن بين أيدينا فيجب أن نبلغه إلى الناس كافة، فإذا بلغ إليهم القرآن قامت عليهم الحجة، ومن لم يبلغ إليهم القرآن لا تقوم عليهم حجة ويصبح حالهم مشابها لحال أهل الفترة، وهم الذين سبقوا عهد الرسالة، والله -سبحانه وتعالى- يقول:"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"[الإسراء:١٥] ويقول:"كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير"[الملك:٨-٩] فالله -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والشخص الذي لم يَُبلَّغ فهذا لا تقوم عليه الحجة، إنما الحجة تكون قائمة وتامة وبالغة،"ولله الحجة البالغة"[الأنعام:١٤٩] إذا بلغت الرسالة ولم يؤمن بها، إما تعصباً أو إعراضاً عنها، أو بغضاً لها، أو كفرا بها وجحداً، كما قال -سبحانه وتعالى-:"وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا"[النمل:١٤] جحدوا بالآيات مع أن النفوس مستيقنة والبواطن ترى الحقيقة، بصائر لكنهم يعمون عنها أبصارهم، "يستغشون ثيابهم"[هود:٥] لا يريدون أن يروا الحقيقة، وقد يكون كثير من الكفار الآن في هذا الوضع، قد يكون بعضهم قد استبصر، أي: ظهرت له الحقائق ولكنه ألف العادة ولمحبته الرئاسة ولبغض المسلمين يعلوه التعصب وتغشاه عماية الضلالة فيعرض عن التدبر في كتاب الله، فهذا الإعراض عن التدبر مع إمكانه والاعراض عن الرسالة مع القدرة على التعرف عليها صاحبه لا شك سيكون معاقباً "إن الدين عند الله الإسلام"[آل عمران:١٩]"ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"[آل عمران:٨٥] ، طبعاً التعبد في الدنيا