معلوم أن الإنسان مبتلى بعدو خفي هو الشيطان، وهو قرين للإنسان يلقي في قلبه الوساوس من شبهات تشوش إيمان المؤمن الضعيف، أو شهوات تعوق الإنسان عن أداء ما أوجب الله عليه، وتغريه بفعل ما حرم الله عليه. وأعظم وأخطر ما يوسوس به الشيطان ما يتعلق بخالق هذا الوجود، وقد شكى بعض الصحابة -رضي الله عنهم- ما يجده في نفسه من ذلك من هذه الهواجس والأفكار، وما يحصل له بسبب ذلك من الضيق من شدة كراهيته لذلك وخوفه من عواقبه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"أوجدت ذلك، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة" وفي رواية "ذلك صريح الإيمان" رواه مسلم (١٣٢) يعني كراهية ذلك الوسواس وبغضه، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"يأتي أحدكم الشيطان فيقول من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق الله، فإذا وجد أحدكم ذلك فلينته وليستعذ بالله" وفي رواية: "فيقل: آمنت بالله ورسوله" رواه البخاري (٣٢٧٦) ، ومسلم (١٣٤) . وذلك بالإعراض عن هذه الأفكار السيئة، وبالاستعاذة بالله واللجأ إليه وبتذكر الإيمان، ومادمت ولله الحمد تؤمن بأن لهذا العالم خالق، وهذا هو مقتضى الفطرة، ولا بد أن يكون خالق هذا الوجود عليم حكيم قدير، وذلك أن هذا الوجود مشتمل على غاية الإحكام والانتظام، فإيجاده يدل على قدرة من أوجده، وما فيه من الإحكام يدل على كمال علمه، وما فيه من التنويع والتفصيل يدل على أنه صدر عن مشيئة وقدرة تامة، وأما ما أشكل عليك، وهو أن خالق هذا الوجود هو الله، فغاية ذلك أنك لم تهتد لاسمه بعقلك، فنقول إن الله فطر عباده على الإقرار بربوبية خالق هذا الخلق وإلاهيته كما ذكرت عن نفسك، وأما أن اسم خالق الوجود الله فذلك ما نطقت به الرسل والكتب المنزلة. وقد قامت البراهين على صدقهم فوجب الإيمان بما جاءوا به وما أخبروا به من أسماء الله وصفاته وسائر ما أخبروا به عمّا كان أو يكون من أمر هذا العالم، فنؤمن بأن لهذا العالم خالق عليم حكيم بموجب الفطرة والعقل