وأما الروح فإنا نجيبك عنها بما وقفنا عليه مما ذكره أهل العلم في ذلك، ومما قالوه: إن حقيقة الروح مختلف فيها والذي يدل عليه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول أنها جسم نوراني علوي حي متحرك يسري في الأعضاء سريان الماء في الورد والدهن في الزيتون، والنار في الفحم وأنها مخالفة في الماهية لهذا الجسم المحسوس، فما دامت أعضاء الإنسان صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم سارياً في هذه الأعضاء، وإذا فسدت وخرجت عن قبولها فارقت البدن.
وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- "أن الروح إذا قبض تبعه البصر"، رواه مسلم (٩٢٠) وغيره من حديث أم سلمة – رضي الله عنها-، وفي هذا وصف للروح بالقبض، وأن البصر يراه، وفي حديث آخر:"أن روح المؤمن تسيل كما تسيل القطرة من فيّ "فم" السقاء، وأنها تصعد ويوجد منها كأطيب ريح، وورد أنها تتفرق في جسد العبد الكافر فينتزعها ملك الموت كما ينتزع السفّود من الصوف المبلول، وذلك كله في حديث البراء بن عازب–رضي الله عنه- الطويل وفيه وصف دقيق لحال خروج الروح من جسد المؤمن وجسد الكافر فتأمله في المسند للإمام أحمد (٤/٢٨٧-٢٨٨) . واختلف في موت الأرواح وبقائها، فقيل إنها تموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت، وقيل لا تموت بل خلقت للبقاء، والصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا الفراق فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تفنى بالكلية فهي لا تموت بهذا الاعتبار بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب، كما ذكروا أن للروح بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به في بطن الأم حياً.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم.
الرابع: تعلقها به في البرزخ.
الخامس: تعلقها به يوم البعث وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، لأن البدن لا يقبل بعده موتاً ولا نوماً ولا فساداً.