وقال القرطبي في تفسيره: وخطب عمر - رضي الله عنه- فقال:"ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر: يعطينا الله وتحرمنا؟ أليس الله سبحانه وتعالى يقول: "وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً" [النساء:٢٠] ، قال عمر - رضي الله عنه-: "أصابت امرأة وأخطأ عمر" وفي رواية فأطرق عمر - رضي الله عنه- ثم قال: "كل الناس أفقه منك يا عمر"، وفي أخرى: "امرأة أصابت ورجل أخطأ والله المستعان"،وروى الحافظ أبو يعلي هذا الأثر فقال: "حدثنا أبو خيثمة حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن عن خالد بن سعيد عن الشعبي، عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال:"أيها الناس: ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - رضي الله عنهم- لا تعدو الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها، فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم فما دون ذلك، قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش، فقالت يا أمير المؤمنين: نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال وأي ذلك؟ قالت أما سمعت الله يقول: "وآتيتم إحداهن قنطاراً" [النساء:٢٠] ؟ فقال عمر - رضي الله عنه-: اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال أيها الناس: إني كنت نهيتكم أن تزيدوا في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب".