ثانياً: الواجب على الإنسان عموماً أن يكون باحثاً عن الحق متلمساً له في كل أحواله، وإذا قال شيئاً أو حكم بشيء ثم تبين له أن الحق بخلافه فإن الواجب عليه الرجوع إلى الحق ولا غضاضة في ذلك، وهو خير من التمادي في الباطل، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- في كتابه إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- "والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"، وذلك بغض النظر عمّن أرشدك إليه سواء أكان امرأة أو رجلاً عالماً أو عامياً، صغيراً أو كبيراً، لأن الحكمة والحق ضالة المؤمن بغض النظر عن قائلها، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة -رضي الله عنه-: "صدقك وهو كذوب" يعني: إبليس لما ذكر لأبي هريرة - رضي الله عنه- فضل آية الكرسي، والحديث رواه البخاري (٣٢٧٥) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
ثالثاً: هذه القصة الواردة عن عمر - رضي الله عنه- تعد قاعدة من قواعد الإفتاء والاجتهاد، والعلماء متفقون على مضمونها، ولم يقل أحد من أهل العلم بأن الإنسان يجوز له البقاء على قوله مع تبين خطئه ومجانبته للصواب، لكن العالم إذا اجتهد في أي مسألة من المسائل وتبين له الحق فيها وجب عليه العمل بما ظهر له من الحق وإفتاء من سأله عن حسب ما يراه حقاً في المسألة، ولا يرجع عما توصل إليه لقول أي إنسان كائناً من كان، ولكن إذا تبين له دليل يخالف ما توصل إليه سواء أذكره هو أم ذكره غيره به وجب عليه العمل بما يقتضيه هذا الدليل.
رابعاً: ينقسم الناس بحسب علمهم بالأدلة الشرعية إلى قسمين: علماء، وعامة؛ فالعلماء: هم أهل النظر في الأدلة الشرعية واستنباط ما اشتملت عليه من الأحكام، وهم الذين يجوز لهم مناقشة بعضهم البعض فيما ذهب إليه كل منهم في المسائل المختلف فيها، ولا يلزم أحد بما ذهب إليه غيره من العلماء، بل الواجب على كل منهم العمل بما أداه إليه اجتهاده.