مخاطبة الناس على قدر عقولهم ومراعاة اختلاف أفهامهم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة لولا أن قومك حديث عهدهم - قال ابن الزبير: بكفر- لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس وباب يخرجون" أخرجه البخاري، في كتاب: العلم، باب: مَنْ ترك بعض الأخبار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه، رقم (١٢٦) ، ومسلم (١٣٣٣) ، قال ابن حجر في الفتح (١/٢٢٥) : (ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأنّ الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولاً ما لم يكن محرّماً) . وروى الإمام البخاري في صحيحه، في كتاب: العلم، باب مَنْ خصَّ بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألاَّ يفهموا، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله؟. وروى مسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" أخرجه مسلم في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع (١/١١) .قال ابن حجر:(ممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي في ظاهرها الخروج على السُّلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب والله أعلم) فتح الباري (١/٢٢٥) . وهذه كلمات للشاطبي أضعها أمام عين كل داعية وأهتف بها في سمعه ليعلم أنه (ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره إن كان من علم الشريعة ومما يفيد علما بالأحكام، بل ذلك ينقسم: فمنه ما هو مطلوب النشر، وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أولا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص) الموافقات (٤/١٨٩) .وأزيد الأمر وضوحاً بذكر القاعدة الضابطة الرائعة التي ذكرها الشاطبي وأرشد إليها،