وفي الصحيح أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه- لما حصِر صلى بالناس شخص فسأل سائل عثمان- رضي الله عنه-: "إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فقال: يا ابن أخي، إن الصلاة من أحسن ما يفعل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أسأؤوا فاجتب إساءتهم"خرجه البخاري في صحيحه بشرحه الفتح كتاب الأذان/ باب إمامة المفتون والمبتدع حديث رقم (٦٩٥- ج-٢/١٨٨) . والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحه، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب.
ومن ذلك أن من أظهر بدعة وفجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين فإنه يستحق التعزير حتى يتوب فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب، أو يعزل، أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية، ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة. وأما إذا أدى ذلك إلى أن تفوته الجمعة، فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة - رضي الله عنهم-، وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهنا لا تترك الصلاة خلفه، بل الصلاة خلفه أفضل، فإذا أمكن الإنسان ألا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك، لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا أعظم ضرراً أعظم من ضرر ما أظهر من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان فتفويت الجمع والجماعات أعظم فساداً من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر، لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجورا، ً فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة.