قال ابن المنذر -رحمه الله -: (وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة؛ إذ غير جائز أن يحرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض)(الأوسط ٤/١٣٤) . وإذا ثبت وجوب صلاة الجماعة، وأنها واجبة على الأعيان، فالواجب فعلها في المسجد إذا كان الإنسان يسمع النداء إلا من كان معذوراً بمرض أو خوف؛ لما ثبت في حديث ابن أم مكتوم - رضي الله عنه- وهو رجل أعمى- أنه قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال:"هل تسمع النداء بالصلاة؟ " قال: نعم، قال:"فأجب" أخرجه مسلم في صحيحه (٦٣٥) ، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " أخرجه ابن ماجة (٧٩٣) ، والدارقطني في سننه (١٣٥٠) ، والحاكم في المستدرك (٨٥٥) بإسناد صحيح، قيل لابن عباس - رضي الله عنهما- ما هو العذر؟ قال:"خوف أو مرض". والمقصود بسماع النداء: سماعه بالصوت المعتاد بدون مكبرٍ عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السمع، مع مراعاة أن المؤذنين في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم - كانوا يؤذنون على مكان مرتفع، كسطح المسجد ونحوه، وكانت أبنية المنازل قابلة لنفاذ الصوت وانتشاره، مما يمكن وصول صوت المؤذن إلى مسافة ليست بالقصيرة. وإذا كان الإنسان لا يسمع النداء لبعد بيته عن المسجد، فإنه يجوز له أن يصلي في بيته، فإن كان واحداً صلى بمفرده، وإن كان مع غيره - كحال السائل - فالواجب عليهم أن يصلوا جماعة؛ لما سبق ذكره من الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة في المسجد، ولكن لما كانوا بعيدين عن المسجد أبيح لهم ترك الصلاة في المسجد؛ لأنهم معذورون في ذلك، ولكنهم غير معذورين في ترك الجماعة فيبقى وجوبها عليهم. وإذا أقيمت الصلاة فإن من كان