٣- سنن أبي داود (٣٩٢٥) من طريق محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة، وقال:"كل ثقة بالله وتوكلا عليه ". والحديث عند الترمذي كذلك (١٨١٧) ، وابن ماجة (٣٥٤٢) .
فذهب جماعة من العلماء إلى أن أحاديث الفرار من المجذوم منسوخة بأحاديث نفي العدوى، والذي عليه أكثر أهل العلم أنه لا نسخ، وأن الواجب إما الجمع أو الترجيح، وبكل أخذ طائفة من العلماء، والذي يترجح لي أن الجمع ممكن وهو بأحد وجهين:
الأول: أن يقال: إن المراد بنفي العدوى نفي الاعتقاد الجاهلي من أن المرض يعدي وينتقل بنفسه من غير إرادة الله تعالى وتقديره, أما أمره بالفرار من المجذوم ونحوه فهو بيان منه صلى الله عليه وسلم أن العدوى من أسباب انتقال الأمراض, ففي أمره بالفرار إثبات للأسباب، وفي نفيه للعدوى أنها لا تستقل بالتأثير.
الثاني: أن يقال: إن نفيه للعدوى نفي لها بالكلية وإنها غير مؤثرة، إذ كثيراً ما يخالط المريض ولا يصاب المخالط بشيء، وأما أمره بالفرار من المجذوم فهو لئلا يقع المخالط في ذلك المرض تقديراً من الله تعالى، فيظن عدم مطابقة خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- للواقع في نفيه للعدوى، فيفضي به ذلك إلى إثبات ما نفاه الله ورسوله.
وعلى كل حال فالواجب على المؤمن أن يعتقد أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- حق لا تعارض في شيء منه إذا ثبت عنه، وما كان من تعارض قد يظنه الناظر في قوله صلى الله عليه وسلم فإنما هو في الفهم والذهن، والأحاديث وحي كما قال تعالى:"وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إن هوَ إلا وَحيٌ يوحَىَ"[النجم: ٣-٤] .
ذكرت لك ما ذكرت زيادة في الفائدة، وأرجو أن تعود إلى ما قلناه في أول الفتوى، والله أعلم.