واستدلوا أيضاً بما في الصحيحين عن عائشة أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت، ثم صنع ثريد، فصبت التلبينة عليها، ثم قالت: كلن منها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"التلبينة مجمة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن" صحيح البخاري (٥٤١٧) ، وصحيح مسلم (٢٢١٦) . ففي حديث عائشة أن النساء كن يجتمعن عند أهل الميت.
وقالوا أيضاً: التعزية مستحبة، والجلوس وسيلة للتعزية، والوسائل لها أحكام المقاصد؛ لأنه يصعب -خاصة في المدن- أن يعزي الشخص أهل الميت إذا لم يجلسوا في مكان معروف.
وأما أثر جرير بن عبد الله الذي استدل به من منع من الجلوس فقد ضعفه الإمام أحمد، وذكر أنه لا يرى لهذا الحديث أصلاً- كما في سؤالات أبي داود.
وعلى فرض صحته فالممنوع هو الاجتماع مع صناعة الطعام لما فيه من التباهي وغيره من المحاذير، أما إن كانوا يجتمعون ويصنع الطعام غيرهم فليس فيه محظور.
وحتى على القول بالجواز، لا يجوز أن يصاحب ذلك بعض الأمور المحدثة، كالاجتماع لقراءة القرآن، أو تحديد هيئة أو أوقات معينة لقراءة القرآن، أو إسراف في المآدب، كما لا يجوز أن يصاحب ذلك نياحة، أوشق للجيوب، أولطم للخدود، أو سخط واعتراض على القدر، بل المطلوب من المعزين الدعاء للميت، ومواساة أهل الميت وتسليتهم لا تهييجهم.
كما أن المشروع صناعة الطعام لأهل الميت؛ لأن عندهم ما يشغلهم لا أن يصنعوا هم الطعام للناس ويجمعونهم لذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم. أخرجه أبو داود (٣١٣٢) ، والترمذي (٩٩٨) ، وابن ماجه (١٦١٠) .
وعلى ذلك فالمسألة اجتهادية خلافية -وإن كان الأقوى الجواز- ولا إنكار في مسائل الاجتهاد.