فإنه لا ريب أن الأصل وجوب الإحرام من الميقات لمن مرَّ عليه أو حاذاه، وهو قاصد الحرم يريد الحج أو العمرة، ولكن إذا كان المار بأحد المواقيت من سكان ما دون المواقيت (كجدة مثلاً) ، أو كان له محل إقامة ثانٍ فيها، كالقادم من جهة عمل أو دراسة إلى مقر إقامة أبٍ أو زوجٍ، - كما في السؤال- فإنه إذا كان قادماً في أشهر الحج، وله نية حجٍ هذا العام، فإنه لا يلزمه الإحرام من الميقات المار به، بل يجوز له تأخير الإحرام حتى يأتي موعد الحج، فيحرم من مقر أهله الواقع فيما دون المواقيت؛ وذلك لأنه محسوب من أهلها، وبهذا أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - كما في مجموع الفتاوى والرسائل له (١٧/٥٤) ، حيث سأله طالب يدرس في المنطقة الشرقية، وله أهل في جدة، ويريد الحج فهل يحرم من قرن المنازل؟ أو من سكنه في جدة مع أهله؟ فأجابه الشيخ:"أنت مخيَّر ما دمت من سكان جدة -دون الميقات- وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى؛ لكونك وافداً، وأخذت بالأكمل والأحوط، ولو أنك قصدت أهلك، ثم أحرمت منهم، فلا بأس"، وهذه الفتوى تتفق مع مقصد شرعي هام، وهو التيسير على الأمة بما يتماشى مع أدلة الشرع، إذ لو قيل بوجوب الإحرام من الميقات، أو بوجوب الرجوع إليه عند إرادة الدخول في نسك الحج- لمن له محل إقامة في الحرم أو دون المواقيت - لأدى ذلك إلى وقوع المشقة عليه، إما ببقائه محرماً حتى يفرغ من الحج، أو بإلزامه التحلل بعمرة، أو بالرجوع إلى الميقات للإحرام منه عند أوان الحج، ولا يصح أن يزجَّ المكلف في مشقة وحرج نفتهما النصوص الشرعية القطعية من الكتاب والسنة عن هذه الشريعة السمحة الخالدة، لا سيما وأن هذا القادم إلى بيت أهله أو زوجه، ربما عدل عن نية الحج هذا العام، وربما تكرر خروجه باختياره إلى خارج المواقيت، فكان القول بلزوم الإحرام عليه عند قدومه إجحافاً به، وهو يفضي إلى القول بأنه يلزم المقيم في الحرم، ومن كان منزله دون