فقد شُرِع أوَّلَ ما شرع دفاعاً عن المستضعفين المؤمنين الذين يُضطهدون في دينهم ويؤذَون في أنفسهم وأموالهم، ويُخرجون من ديارهم، (وهو ما يسمى بجهاد الدفع) ، فقال تعالى:"أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلِموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.."[الحج:٣٩ - ٤٠]
قال غير واحد من السلف: هذه أول آية نزلت في الجهاد، ثم نزل قوله تعالى:"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم..الآية" سورة [البقرة: ١٩٠-١٩١]
وشُرعَ سنداً لنشر الدعوة حتى تبلغ رسالتها إلى الناس كافةً "وهذا من جهاد الطلب الذي يأتي في مرحلة القوة وظهور الشوكة.
إن الدعوة في حقيقتها دعوةٌ سلمية ... باللسان والبيان، فما صحبها السلاحُ لكي يُكره الناس على الدخول في دين الله، وإنما صحبها ليدفع كلَّ من يقف في طريقها ويناوئها.
وما أكثر تلك القوى المتنفِّجة بالباطل التي تقف في وجه دعوة الإسلام، وتصد الناس عن دين الله!
وما عسى الإسلام أن يفعل إذا هي وقفتْ في وجهه وحالت بينه وبين الناس؟
هل سيتركها لتحجبَ عن الناس دعوة الحق، وتمنَعهم اتّباعَها إذا اختاروها؟
وإنها لفتنة: أن يُصد الناس عن سماع كلمة الحق، ويُسلبوا حرية اختيار الدين، وأعْظِمْ بها من فتنة؟! "والفتنة أشد من القتل" [البقرة:١٩١] "والفتنة أكبر من القتل" [البقرة:٢١٧] .
إنه ليس ثمَّة خيار للإسلام أمام هذه القوى إلا أن يجاهدها ويدكَّها؛ ليقرِّرَ للناس حريةَ الدعوة بعد أن كانوا محرومين منها تحت سطوة الطغاة ورهبة العتاة، يستعبدونهم ويمارسون الوصاية على عقولهم؟!
ولذا قال جل جلاله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله" سورة [البقرة:١٩٣] .