أفاد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (٢/٧٨) بقوله: (إن حال الكافر لا تخلو من أن يتصور الرسالة أو لا، فإن لم يتصورها فهو في غفلة عنها، وعدم إيمان بها، كما قال تعالى:"وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً"[الكهف: من الآية٢٨] وقال: "فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ"[الأعراف:١٣٦] ، لكن الغفلة المحضة لا تكون إلا لمن لم تبلغه الرسالة، والكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة) ، إلى أن قال - رحمه الله (فكل مكذب لما جاءت به الرسل فهو كافر، وليس كل كافر مكذباً، بل قد يكون مرتاباً إن كان ناظراً فيه، أو معرضاً عنه بعد أن لم يكن ناظراً فيه، وقد يكون غافلاً عنه لم يتصوره بحال، لكن عقوبة هذا موقوفة على تبليغ المرسل إليه) .
وبهذا يتبين أنه لا يحكم بالإسلام للمشرك الجاهل البتة، إلا أنه لا يحكم عليه بالعذاب في الدارين إلا بعد إقامة الحجة، وهم قبلها مشركون وليسوا بمسلمين، ويؤكد هذا المعنى بقوله:(ولكن لا يعذب الله أحداً حتى يبعث إليه رسولاً، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه، فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان، فمن لا ذنب له لا يدخل النار، ولا يعذب الله بالنار أحداً إلا بعد أن يبعث إليه رسولاً) المجموع (١٤/٤٧٧) .
وعلى هذا فالتقسيم للناس من حيث الإسلام والكفر يكون على هذا النحو: مسلم آمن بالله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - ظاهراً وباطناً (المؤمن الصادق) أو ظاهراً فقط (المنافق) .
وكافر مشرك بلغته الدعوة ولم يصدق بها، بل كذب وأعرض فله العقوبة في الدارين.
وكافر لم تبلغه الدعوة فليس عليه العقوبة حتى تقام عليه الحجة، وقد دلت الآثار على أنه يمتحن في عرصات القيامة، والله أعلم.