١- فكون المورد يبيع ما لا يملك لا يدخل في نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده، لأنه يستثنى من النهي ما إذا كان المبيع موصوفاً في الذمة مؤجلاً، بدليل تجويزه عليه الصلاة والسلام لعقد السلم، ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال:"من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم". صحيح البخاري (٢٢٤١) ، وصحيح مسلم (١٦٠٤) ، وجامع الترمذي (١٣١١) .
ومن المعلوم أن المعقود عليه في عقود التوريد - ومنها العقد المشار إليه في السؤال- موصوف في الذمة مؤجل، وعلى هذا فيشترط في المعقود عليه أن يوصف وصفاً منضبطاً، وأن يكون موعد التسليم محدداً ومعلوماً للطرفين.
٢- وأما كون العوضين - الثمن والمثمن - مؤجلين في عقد التوريد فهذا أيضاً لا يؤثر في صحة العقد؛ لأن النهي عن بيع المؤجل بالمؤجل إنما ثبت بالإجماع دون النص، والإجماع لم يقع على كل صور بيع المؤجل بالمؤجل بل وقع على بعض الصور دون بعض، وحينئذٍ فإن التحريم يثبت في الصور التي وقع الاتفاق عليها دون التي وقع الخلاف فيها، وهذا العقد مما وقع فيه الخلاف فلا يثبت له التحريم، ومما يدل على ذلك أن أهل العلم جوزوا عقوداً متعددة يكون فيها العوضان مؤجلين، فمن ذلك:
أ- عقد الاستصناع (المقاولة) وقد نص على جوازه فقهاء الحنفية وحكوا فيه الإجماع العملي، وهو عقد صحيح ولو كانت السلعة المستصنع فيها مصنوعة قبل العقد، وفي هذه الحال لافرق بينه وبين عقد التوريد.