هذا هو الحكم العام للتسعير، لكن قد تدعو الحاجة إليه، وذلك في السلع والبضائع التي لا يمكن الناس الاستغناء عنها ولابد أن تكون متوفرة بسعر ثابت: كبعض أنواع الطعام، والسلاح عند قيام الجهاد، وبعض الأدوية، ونحو ذلك، فهذه الأمور الضرورية قد تدعو المصلحة إلى تسعيرها ووضع سعر معين لها لا يُزاد عليه ولا يُنقص منه. وقد أجاز جمع من أهل العلم هذا الأمر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (إن لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه) ا. هـ.
وقد ذكر أهل العلم عدداً من الحالات التي يجوز فيها التسعير؛ تحقيقاً لمصالح الناس ودفعاً للضرر عنهم، ومن أهمها:
١- إذا زاد أرباب الطعام في ثمن الطعام زيادة فاحشة.
٢- إذا كان الناس في حاجة إلى السلعة.
٣- إذا حصل احتكار من المنتجين أو التجار.
٤- إذا حُصِر البيع لأناس معينين، وهم من يسمون بالمتعهدين.
ونحو ذلك من الحالات التي يحقق التسعير فيها مصلحةً للمسلمين، ونستطيع أن نضع ضابطاً لجواز التسعير، وهو: كلما كانت حاجة الناس لا تندفع إلا بالتسعير , ولا تتحقق مصلحتهم إلا به كان واجبا على الحاكم حقا للعامة.
وبناءً عليه فإن ولي الأمر إذا قام بالتسعير الجائز المذكور قريباً فإنه لا يجوز للبائع ولا للمشتري مخالفته؛ لأنهما إذا خالفا التسعير الجائز لم يحصل المقصود من مشروعية التسعير وأدى فعلهم هذا إلى الإضرار بعموم الناس، حيث يحجم البائع عن البيع بالسعر الذي وضعه الحاكم طمعاً في بيعه بأكثر منه، ويترتب على هذا إضرار بعموم المشترين الذي سعّر الحاكم لأجلهم.
أما إذا كان تسعير الحاكم غير جائز، وإنما هو من باب ظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل، وذلك عندما يفرض التسعير لأغراض فاسدة، فإنه لا عقوبة على من خالفه؛ لأن التسعير في هذه الحالة غير جائز، فلا تحرم مخالفته.