أما لو كان المتبرع مسلماً يتعامل بالمحرمات وكل ماله أو بعضه حرام فقبوله جائز ويثاب المسلم على تبرعه ويحاسب في الوقت ذاته عن ماله هذا من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ فإذا كان من حرام أو مختلطاً بالحرام وأنفقه في وجوه الطاعة فهو محاسب معاقب على الحرام ومثاب على الصدقة، وقد صح عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - وعدد من كبار التابيعن جواز الأكل ممن مطعمه حرام، فقد سئل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن رجل يدعو جيرانه إلى طعامه وهو يأكل الربا علانية ولا يتحرج من مال خبيث يأخذه؟ فقال للسائل: أجيبوه فإنما المهنأ لكم والوزر عليه، وإذا كان الأمر هكذا فإن قبول تبرعات المتبرعين للمسجد جائزة من باب أولى، وعمارة المسجد الحسية المادية تصح من الكافر والمسلم، أما العمارة الحقيقية فهي عمارتها بالعبادة ولا تصح ولا تجوز من كافر، قال تعالى:"أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"[التوبة:١٩] فدلالة الآية على جواز العمارة الحسية والمادية واضحة، وإنما العمارة الحسية لا تقارن بعمارتها بالعبادة لله وحده والجهاد في سبيله، ومثل هذه الآية قوله تعالى:"مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ" الآية، [التوبة:١٧] والمراد منع المشركين من دخول المسجد الحرام بعد عام الحديبية، وهي مرتبطة بأول سورة التوبة " بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"[التوبة:١] فهي عن الدخول وليس أفعال السقاية والرفادة، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.