إذا علمت هذا، فاعلم أن ما يمكن أن يوجه من اعتراض على القول الأول هو: أن النقود قد تغيرت قيمتها الشرائية، يمكن أن يرد عليه بالقول: إن التغير الذي طرأ على النقود لم يكن بسبب المدين كي يلزمه ضمانه.
وهو سيطرأ عليها سواء كانت عنده أو عند صاحبها.
فإن قيل: لكن النقود لو كانت عند صاحبها لاستفاد منها، وبقائها عند المدين منع صاحبها من الاستفادة منها، أجيب عنه من وجوه ثلاثة:
الأول: أن استفادة صاحبها منها لو كانت عنده أمر غير محقق، فقد تكون عنده دون أن يستفيد منها، وقد تكون عنده فيوظفها في طلب الربح فيخسر والضمان إنما يكون في تفويت شيء محقق، وهو غير وارد ها هنا.
وعليه: فإن المطالبة بضمان غير المحقق إنما هي فرع من المطالبة بالتعويض التي هي من مخلفات الفكر المادي، الذي لا يقوم على أساس الإيمان بالقدر، فإن ما قدِّر سيكون، وما لا فلا.
الثاني: أن الدين إذا كان بسبب عقد بيع مؤجل، فالغالب أن البائع الدائن قد زاد في الثمن فهو قد استفاد.
الثالث: أن هذا الاعتراض غير مناسب فيما موضوعه القرض، وإلاّ لكان الربا سائغاً بدعوى أنه مقابل تعطيل استفادة صاحب النقود منها خلال مدة القرض، وهذا ممتنع شرعاً، وبهذا يتبين أن المناسب: أن يُرد للدائن مثل ما أُخِذ منه دون زيادة أو نقص.
ومع هذا لو قيل بالاعتبار بالتغير الفاحش، وخرج ذلك مخرج الإحسان والمعروف لكان له وجه بشرط ألا يكون الدين من باب القرض الربوي فإن كان من قبيله لم يعد مناسباً لما يلي:
أ - معاملة للبنوك الربوية بنقيض قصدها.
ب - التساهل مع البنوك الربوية في شأن الله - تعالى -، والتساهل لا يصلح سبباً للتسامح، والله - تعالى - يقول:
"فبظلمٍ من الذين هادوا حرمنا عليهم طيباتٍ أحلت لهم. . " الآية.
ويمكنك الرجوع إلى كتب الفقه المعتمدة لدى المذاهب الأربعة في تحرير هذه المسألة، بالإضافة إلى ما كتب في هذه المسألة خاصة مثل:
١. قطع المجادلة عند تغيير المعاملة.
٢. تنبيه الرقود.
٣. مجلة مجمع الفقه الإسلامي، فإن في بعض أعدادها أبحاثاً خاصة بهذه المسألة، ع٥ج٣.
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.