للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحاماة هي توكيل بالترافع أمام القضاء لاسترداد حق أو دفع ظلم، والمحامي هو الوكيل عن الغير، وقد يكون القضاء شرعياً، أو غير شرعي، ويجب أن يعلم أن ليس كل ما نظر فيه القضاء العلماني (غير الشرعي) وملكه أحد الخصمين لا يجوز له تملكه، بل إن كان يعلم أنه حق له جاز له أخذه، وإن كان يعلم خلافه حرم عليه ذلك، ولا يخفى أن عامة القوانين الوضعية فيها ما يوافق شرع الله وفيها ما يخالفه، ولا يغيب عن بال المسلم أن ما تحكم به القوانين الوضعية وإن وافقت الشرع لا يقال إن حكم الحاكم فيها حينئذ حكم شرعي؛ بل هو حكم طاغوتي؛ لأن الله يقول:"وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ" [المائدة: من الآية٤٩] ، ويقول: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [النساء:٦٥] ، فالتحاكم إلى غير شرع الله تحكيم للطاغوت، واتباع للضلال والهوى، ومع هذا إذا حكم القانون الوضعي بحق لزم قبوله لا لأنه حكم بالشرع وإنما لأنه حق وصل لصاحبه، وهذا كما تحكم به الأعراف والعادات الجاهلية إذا ارتضاها الناس لفصل النزاع بينهم، ولما جاء الإسلام أقر من عادات الجاهلية ما كان حميداً وأبطل خلاف ذلك، فإن كان السائل في بلاد تحكم بالقانون الوضعي وبالقضاء الشرعي معاً وجب عليه التحاكم والتوظف إن كان ولا بد في القضاء الشرعي لا غير وإن لم يوجد في البلاد إلا الحكم بالقانون الوضعي (العلماني) فإن أمكن لهما التخلص منه بالتصالح مع خصمه بالتراضي فحسن، وإن اضطر إلى ذلك فلا بأس بالترافع أمام القضاء القانوني بشرط أن لا يأخذ أكثر من حقه، فيما لو حكم له بغيره أو بأكثر منه، وأما المحامي فلا يجوز أن يكذب أو يغير الحقائق والأدلة أمام القضاء لصالح موكله، أما مجرد التوظف في مكتب المحاماة فلا إثم فيه إن شاء الله؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة، وإنما الإثم على المحامي إذا ترافع أمام القضاء بباطل. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>