وعلى هذا فالتأمين التجاري -تأمين المعاوضة- داخل في مثل قوله -تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"[المائدة: ٩٠] ؛ لأنه نوع من أنواع الميسر والقمار، وداخل، في مثل قوله -تعالى-:"يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"[النساء: ٢٩] ، وهو أكل لأموال الناس بالباطل.
إلا أن هناك -يا أخي- مفهوماً آخر للتأمين ألا وهو: أن يكتتب بعض الأشخاص -الذين يتعرضون لنوع من الخطر- بمبالغ نقدية ليؤدَّى منها التعويض لأي مكتتب منهم عندما يقع عليه الخطر المؤمَّن منه، فإن زادت الأقساط المدفوعة عن مبالغ التأمين المستحقة كانت هذه الزيادة لجماعة المستأمنين، وإن نقصت طولبوا بتغطية العجز، فهم لا يسعون لتحقيق ربح من وراء هذا التأمين -بخلاف المفهوم الأول للتأمين- فإن فيه سعياً لتحقيق الربح؛ ذلك أنه إن بقيت فضلة من المبالغ المدفوعة للمؤمِّن استأثر بها وحده، وإن نقصت أقساط التأمين عن المبالغ المستحقة تحملها المؤمِّن وحده، فوقعت الخسارة عليه وحده، فالمفهوم الأول للتأمين تأمين تجاري-وقد بينت تحريمه- والمفهوم الثاني للتأمين؛ تأمين تعاوني تبادلي مبني على التبرع لا على المعاوضة، ويغتفر في عقود التبرعات ما لا يغتفر في عقود المعاوضات فكان جائزاً، أخذاً بما يلي:
١- قوله -تعالى-:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"
[المائدة: ٢] .
٢- وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". رواه مسلم (٢٥٨٦) .