للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الإشكال في المعنى، من جهة أن باب التوبة لا يُغلق بعد خروج الدجال، فحله يظهر من حديث صحيح آخر، وهو حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"بادروا بالأعمال ستاً: الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة أحدكم" أخرجه مسلم رقم (٢٩٤٧) . والمقصود بأمر العامة: قيام الساعة، وأما خويصة أحدنا: فهو الموت، أما المراد بالمبادرة بالأعمال، أي: المسابقة بالأعمال الصالحة، والمسارعة باغتنام الوقت قبل هذه الأمور الستة التي هي دواه ومصائب عظام، تُلهي الإنسان عن العمل الصالح وتشغله، أو لا يوفق إليه من لم يسبق له قدم ثبات على الهدى والحق، فيفتن عن التوبة والعمل الصالح، لا لمانع، ولكن لضعف إيمانه الذي لا يصمد أمام هذه الدواهي، ومن هذه الأمور الستة ما لا تقبل بعدها التوبة، لو حاولها أحد من شاهدها، وهي: طلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وغرغرة الموت.

وانظر: المفهم للقرطبي (٧/٣٠٨ رقم ٢٨٤٢) وشرح الطيبي على المشكاة (١١/٣٤٤٨-٣٤٤٩ رقم ٤٥٦٥) .

وعليه فيكون معنى الحديث المسؤول عنه: أن تلك الأمور الثلاثة، إذا وقعت بهتت الناس وحيرتهم، فلم يقو على التوبة والثبات إلا من حسن عمله وصح توكله على الله تعالى، ولا يعارض ذلك أن من هذه الأمور الثلاثة ما ضم إلى ذلك أنه لا تقبل معه التوبة، كطلوع الشمس من مغربها، ولا يعارض ذلك أيضاً أن من هذه الأمور ما إذا زال وانتهى وجوده، لم تبق حيرته وفتنته بعد زواله، فيمكن الناس بعدها التوبة والعمل الصالح، إذا قدر لهم ألا يموتوا في زمن الفتنة والتحير، كما قد يحصل في فتنة الدجال.

هذا ما ظهر لي، والله أعلم.

والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واتقى حده.

<<  <  ج: ص:  >  >>