رابعًا: حديث عبد الله بن بريدة بن الحصيب، عن أبيه، رضي الله عنهما، قال: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ. قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ. أخرجه ابن ماجة (١٨٧٤) وأخرجه أحمد (٢٥٠٤٣) والنسائي (٣٢٦٩) ، من حديث عبد الله بن بريدة، رضي الله عنه، عن عائشة، رضي الله عنها، وهو حديث حسن. وهناك أحاديث أخرى بنفس المعنى، وفيما سبق كفاية- إن شاء الله تعالى.
خامسًا: أن الشارع لم يجعل البكارة سببًا للحجر في موضع من المواضع، فجعلُ البكر لا يؤخذ بإذنها في النكاح يُعَدُّ حجرًا عليها، وهو مخالف لقواعد الشرع، إذ إن مناط الحجر هو الصغر أو الجنون أو السفه، وهذه بالغة عاقلة رشيدة.
سادسًا: أن البكر الكبيرة، العاقلة، الرشيدة، لا يجوز لأبيها التصرف في مالها إلا بإذنها في الجملة، ومعلوم أن بضعها أهم من مالها، وأن التصرف في مالها أخف ضررًا عليها من التصرف في بضعها، إذ إن ذلك يعني تزويجها من شخص لا ترغب فيه وتبغضه، وينبغي لها أن ترضى به وتعاشره حياتها، وهذه غاية المضرة بها.
سابعًا: أن من مقاصد الشرع في النكاح حصول الألفة والمودة، وانتظام الحياة بين الزوجين، وكون البكر البالغة، العاقلة، الرشيدة، تُزوَّج ممن لا ترضاه ينافي مقصود الشرع من النكاح، فلا يجوز إذًا، فإن حصل أن زوَّج الأب ابنته البكر البالغة، العاقلة، الرشيدة، فإن لها الخيار في رد ذلك النكاح أو إمضائه عند الحاكم الشرعي، ودليل ذلك ما سبق من حديث عبد الله بن بريدة، رضي الله عنه، عن أبيه، وحديث خنساء بنت خدام، رضي الله عنها. والراجح عندي أيضًا أنه لا يجوز لغير الأب من الأولياء أن يزوج البكر الصغيرة، بل ينتظر حتى تبلغ وتستأذن؛ وذلك لورود النصوص السابقة التي تلزم باستئذان البكر في النكاح، ولا يتحقق ذلك منها في حال الصغر، وليس غير الأب من الأولياء كالأب في شفقته وحنوه على ابنته الصغيرة، ولذا ورد النص بجواز تزويج الأب لابنته البكر الصغيرة من الكفء بدون إذنها وهو تزويج أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، لابنته عائشة، رضي الله عنها، وهي ابنة ست سنين من رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه: البخاري (٣٨٩٤) ومسلم (١٤٢٢) .
والراجح عندي أيضًا جواز تزويج الأب لابنته الصغيرة الثيب، وكذلك المجنونة إذا كانت تميل إلى الرجال ولو بدون إذنهن. وبهذا البيان لعلي أوضحت للسائل ما يريد، وأجبت له عن سؤاله، والله أعلم وأحكم. وصلى الله وسلم على نبينا