وعن أبي سلمة، أن أبا هريرة، رضي الله عنهما، حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ". قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال:"أنْ تَسْكُتَ". أخرجه البخاري (٥١٣٦) ومسلم (١٤١٩) . والمقصود بالأيم الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق على الصحيح، وبالبكر من لا زوج لها، ويقصد بالبكر هنا التي أمر باستئذانها هي البكر البالغ؛ إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الإذن، ومن يستوي سكوتها وسخطها، واستئمار الثيب يدل على تأكيد المشاورة؛ ولهذا يحتاج الولي إلى صريح إذنها في العقد، فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقًا، والبكر بخلاف ذلك، فالإذن دائر بين القول والسكوت، بخلاف الأمر، فإنه صريح في القول، وإنما جعل السكوت إذنًا في حق البكر؛ لأنها قد تستحي أن تفصح برغبتها في الزواج. فمن خلال ما سبق من نصوص ندرك أن للمرأة الحق في الزواج، ويحرم على وليها منعها من الكفء إذا تقدم لها. كما أن لها حرية الاختيار في قبول الزوج أو رفضه، ما لم ير الولي أن موليته قد تفسد مالم تتزوج، فإن له، والحالة هذه إجبارها على الزواج صيانة لها، وإعفافًا لفرجها عن المحرم. كما أنه يجب على الولي أن يحسن اختيار الزوج لموليته، ويحرم عليه عضلها أو تزويجها بمن ليس كفؤًا لها، وإن كان الولي على هذه الحالة فإن الحاكم يرفع الولاية عنه، وينقلها للأصلح، أو يتولى الحاكم بنفسه الولاية عليها. وإذا رغبت الفتاة بالزواج، فإن عليها أن تخبر أمها أو أختها، أو من تراه مناسبًا ليخبر أباها برغبتها تلك؛ إذ العادة جارية على استحياء الفتاة في التصريح، بمثل هذه الأمور، كما أن لها أن تعرض بمن ترغب فيه، مثل أن يقال: فلان ما يُرَدُّ. ونحو ذلك، كما على أمها أو خالتها ونحوهن أن يخبرن أم من ترغب الفتاة به أو أخته بالتعريض، كأن تقول أم الفتاة لأم الفتى: فلان ما يرد مثله، ولو تقدّم لقبل. ونحو ذلك. وعلى الولي أن يكون مبتغاه إعفاف موليته، والبحث عن الأصلح لها، فسوف يسأل عن ذلك يوم القيامة، وإذا تقدم إليه يريد موليته من يرضى دينه وخلقه فهي الغاية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا جاءكم مَن تَرضَوْنَ دينَه وخُلُقَه فأَنْكِحُوهُ؛ إلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنةٌ في الأَرضِ وفَسَادٌ". أخرجه الترمذي (١٠٨٥) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. فالأصل أن ينظر إلى دين الرجل وخلقه، أما المال فهو غادٍ ورائح، وليس في الفقر ما يمنع من الرغبة في النكاح، بل قال الله:(وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور:٣٢] . وقد روي عن قدماء الصحابة، رضي الله عنهم، ما يدل على أنهم رأوا ذلك وعدًا، فعن أبي بكر، رضي الله عنه، قال: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى. أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/٢٥٨٢. وعن عمر- أخرجه عبد الرزاق (١٠٣٩٣) - وابن عباس- أخرجه ابن جرير ١٧/٢٧٥،٢٧٤ وابن ابي حاتم ٨/٢٥٨٢،٢٥٨١، رضي الله عنهم، مثله. قال ابن عباس، رضي الله عنهما: التمسوا الرزق بالنكاح.