قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: إذا منع الولي تزويج موليته بخاطب كفءٍ في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأَوْلَى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا-كما هو الغالب-فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأةَ الحاكمُ الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها؛ لأن له ولايةً عامةً على المرأة بعدما سقطت الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقًا وتسقط عدالته وولايته، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إمامًا في صلاة الجماعة، وهذا أمر خطير. وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفًا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاَّه الله عليهن وهم أكفاء. ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لاشك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يُقدِم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعًا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء، أي أن في ذلك مصالح عديدة:
الأولى: مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
الثانية: مصلحة لغيرها من النساء ممن كانت حالهن مثل حالتها.
الثالثة: منع وردع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن.
الرابعة: مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم- حيث قال:"إذَا جاءَكم مَن تَرْضَوْنَ دينَه وخلقَه فأَنْكِحُوه، إلَّا تفعَلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرضِ وفَسَادٌ". رواه الترمذي (١٠٨٥) أ. هـ.
وقال الشيخ محمد ابن عثيمين أيضًا: وليت أنَّا نصل إلى درجة تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خُلقًا ودينًا أن تذهب إلى القاضي، ويقول لأبيها: زَوِّجْها أو أُزوجها أنا أو يُزوجها وليٌ غيرك. لأن هذا حقٌ للبنت إذا منعها أبوها، ولها أن تشكوه للقاضي، وهذا حقٌ شرعي. فليتنا نصل إلى هذه الدرجة، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك. أ. هـ
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.