أقول: ليت السؤال لم يطرح بهذه الصياغة؛ لأن الذرية المتخلفة عقليًّا ليست مقصورة على أولاد المتخلفين عقليًّا، فكم رأينا من أولاد متخلفين عقليًّا مع كون والديهم من أصح الناس عقلًا وبدنًا، كما أنه يوجد أولاد أصحاء بدنيًّا وعقليًّا مع تخلف والديهم، فلا يمكن القطع بأن أولاد المتخلفين عقليًّا سيكونون كذلك، ولكن قد يكونون، ومن هنا نقول إنه إذا ثبت طبيًّا أن زواج المتخلفين عقليًّا سينتج عنه أولاد متخلفون فهنا لا بأس بمنع الإنجاب، بحيث يقضيان وطرهما من غير أن يترتب على ذلك حمل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ". حديث حسن رواه أحمد (٢٨٦٥) وابن ماجه (٢٣٤١) وغيرهما من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، وبهذا نحصِّل مصلحة قضاء المعوق حاجته الجنسية، وندفع ما قد يترتب على ذلك من ذرية متخلفة، وأشير هنا إلى أن لله تعالى حكمًا في خلقه للمتخلفين، فهو سبحانه لا يخلق شرًّا محضًا- كما في الحديث:"والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ". رواه مسلم (٧٧١) ، من حديث علي، رضي الله عنه- بل لحكمة علمها سبحانه وتعالى، ولعل منها امتحان والديه بذلك، قال تعالى:(وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء:٣٥] . وكذا ظهور عبادة الإيمان بالقضاء والقدر والرضا بذلك وغيرها كثير.
أما كيف نتعامل مع زواج المعوقين والمتخلفين عقليًّا؟
فأقول: إن هؤلاء المعوَّقين والمتخلِّفين عقليًّا هم جزء من المجتمع لا محالة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التخلص منهم، وحيث تقرر ذلك فلابد من التعايش معهم وقضاء حاجاتهم، وقد أوجب علينا ديننا الحنيف الإحسان في كل شيء، قال تعالى:(وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:١٩٥] . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللهَ كتَب الإِحْسَانَ علَى كلِّ شَيْءٍ". رواه مسلم (١٩٥٥) ، من حديث شداد بن أوس، رضي الله عنه. ومن الإحسان بهم تزويجهم إن احتاجوا لذلك على ما فصلته أعلاه، وتزويجهم مع القيام برعايتهم خير من تركهم يتضورون ألمًا مع آلامهم. أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين إنه جواد كريم. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.