الثالث: أن يستحكم الغضب ويشتد به فلا يزول عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته، بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال. قال ابن القيم:(وهذا محل نظر وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه) . انظر: زاد المعاد (٥/٢١٥) ، وقال:(هذا موضع الخلاف، ومحل النظر، والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه) . انظر: إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان (٣٩) ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- بقوله:(إن غيره الغضب ولم يزل عقله لم يقع الطلاق؛ لأنه ألجأه وحمله عليه فأوقعه، وهو يكرهه ليستريح منه فلم يبق له قصد صحيح فهو كالمكره، ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله، ولا يلزمه نذر الطاعة فيه) . انظر: المبدع (٧/٢٥٢) الفروع (٥/٢٨٢) ، الإنصاف (٨/٤٣٢) ، ورجحه شيخنا العلامة ابن باز - رحمه الله تعالى-، الفتاوى (٢١/٣٧٣) ، وذلك لما رواه أحمد (٦/٢٧٦) ، وأبو داود (٢١٩٣) ، والحاكم (٢/٢١٦) ، وصححه من حديث عائشة - رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا طلاق ولا عتاق في إغلاق"، وفسر جمع من أهل العلم كأحمد وأبي داود وغيرهم الإغلاق بالغضب، وقد أفرد العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى- هذه المسألة بمصنف جمع فيه الأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين، وذكر أن عدم الوقوع مقتضى القياس الصحيح والاعتبار وأصول الشريعة، وأجاب عن أدلة الموقعين، ومن قرأ ما كتبه اطمأن لقوله - رحمه الله تعالى-، لذا فإن كانت الطلقة الأولى أوقعتها وأنت غضبان غضب القسم الثالث وصدقتك زوجتك على ذلك، ولم يصدر حكم من قاض شرعي بوقوعه فإن الطلاق المذكور لم يقع، أما إن لم تصدقك زوجتك على ذلك أو صدر حكم من قاض شرعي بوقوعه فقد لزمتك؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.