للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث المذكور أخرجه مسلم (١٨٥٤) من حديث أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ قَالَ: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا". وقوله في الحديث: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُون"َ أي: يعمل الأمراء أعمالاً منها ما تعرفون كونه معروفاً، ومنها ما تعرفون كونه منكراً..... أي: أن أفعالهم منها ما يكون حسناً موافقاً للشريعة، ومنها ما يكون قبيحاً مخالفاً للشريعة..وقوله: "فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ"، والرواية الأخرى في مسلم أيضاً: "فمن كره فقد برئ". ومعناه: فمن كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه، فيكره بقلبه.. وقوله: "وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِم"َ. أي: من أنكر باللسان تلك الأفعال القبيحة إذا استطاع ذلك فقد سلم من الهلاك.. ويحتمل أن يكون الإنكار أيضاً بالقلب، ويكون المعنى: اعتقد الإنكار بقلبه، وقد جاء في رواية في صحيح مسلم: "أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه"، قال القرطبي: أي اعتقد الإنكار بقلبه، وجزم عليه بحيث لو تمكن من إظهار الإنكار لأنكره. ومَن كان كذلك فقد سلم من مُؤاخذة الله -تعالى- على الإقرار على المنكر. وهذه المرتبة هي رتبةُ مَن لم يقدر على تغيير المنكر لا باللسان، ولا باليد، وهي التي قال فيها -صلى الله عليه وسلم-: "وذلك أضعف الإيمان" أخرجه مسلم (٤٩) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وفي الحديث الآخر: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" رواه مسلم (٥٠) من حديث أبي مسعود -رضي الله عنه-، وقوله: "وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ....." أي: من رضي المنكر، وتابع عليه فعليه الإثم والعقوبة والمؤاخذة. قال النووي: وفيه دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَة الْمُنْكَر لَا يَأْثَم بِمُجَرَّدِ السُّكُوت. بَلْ إِنَّمَا يَأْثَم بِالرِّضَا بِهِ، أَوْ بِأَلَّا يَكْرَههُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ. وقوله في الحديث: "أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا.." أي: ما أقاموا الصلاة في الناس، وفي حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- كما سيأتي: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة" رواه مسلم (١٨٥٥) قال النووي: "لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق، ما لم يغيروا شَيئاً من قواعد الإسلام." وقال شيخ الإسلام: "هذا يبين أن الأئمة هم الأمراء ولاة الأمور، وأنه يُكره ويُنكر ما يأتونه من معصية الله، ولا تنزع اليد من طاعتهم، بل يطاعون في طاعة الله، وأن منهم خياراً وشراراً".

وقد دلت أحاديث أخرى على ما دل عليه حديث أم سلمة - رضي الله عنها- من ترك الخروج على أئمة الجور

<<  <  ج: ص:  >  >>