للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣) قوله تعالى: "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللآتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [النور:٦٠] .

ووجه الدلالة من الدليل الأول:

أن الله تعالى قد أمر نبيه عليه السلام أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بالحجاب الشرعي الذي هو تغطية الوجه، لأن ما عداه من الشعر والذراعين والساقين وغيرها لم يكن من عادتهن كشفه أصلاً، فلا وجه لحمل الآية على شيء مما ذكر إلا على الوجه الذي كان من عادتهن كشفه وإظهاره قبل نزول الحجاب.

وجه الدلالة من الدليل الثاني:

أن الله أمر عباده المؤمنين من صحابة نبيه الكريم - عليه السلام- ألا يسألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من وراء حجاب، وبين علة التوجيه بأنه لضمان بقاء قلوب الجميع على الطهر والصفاء والبعد عن الريبة والشهوة، ومعلوم أن أقصر طريق لحدوث الفتنة، ووقوع القلب في شرك العشق والشهوة هو تبادل النظرات بين الجنسين، وتأمل العيون والخدود والشفاه والثغور - نسأل الله العافية - فلا مناص عن حمل الآية على الوجه مكمن الزينة ومحل الفتنة.

وأما وجه الاستدلال من الآية الثالثة:

فإن الله أباح للقواعد من النساء وهن العجائز الكبيرات اللائي قعدن عن النكاح والولد - أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، ومعلوم أن الثياب المباح وضعها في الآية هي ما يستر بها الوجه، إذ لا أحد يزعم أن المراد وضع الثياب عن الذراعين أو الساقين أو النحر أو شعر الرأس أو غيرها، فوجب حمل الآية على ثياب الوجه ومع ذلك اشترط الله عليهن ألا يتبرجن بزينة، وأرشدهن إلى أن الاستعفاف والإبقاء على غطاء الوجه خير لهن.

وأما الأدلة من السنة فكثيرة جداً منها:

(١) حديث عائشة - رضي الله عنها - المتفق عليه في البخاري (٤١٤١) ، ومسلم (٢٧٧٠) ، في قصة الإفك، وهو حديث طويل والشاهد منه قولها حين قدم عليها صفوان بن المعطل - رضي الله عنه- قالت: "فخمرت وجهي بجلبابي" وهذا صريح في تغطية الوجه.

(٢) جاء في صحيح البخاري (١٨٣٨) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- قوله - عليه السلام-: "ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين" فدل على أن غير المحرمة يلزمها ذلك، وأن ذلك من عادتهن.

(٣) ما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - بسند صحيح عند ابن خزيمة في صحيحه (٢٦٩١) ، والدارقطني في سننه (٢/٢٩٤) ، وغيرهما أنها قالت: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ونحن محرمات، فإذا مر بنا الركب سدلنا الثوب على وجوهنا سدلاً".

قلت: وذلك في الحج، فكن يكشفن عن وجوههن إذا كن خاليات بعيدات عن الرجال، لأن المحرمة لا تغطي وجهها، فإذا مر بهن الرجال غطين وجوههن.

وأما أدلة القائلين بكشف الوجه فأبرزها حديث عائشة - رضي الله عنها - الذي ذكرته السائلة وهو حديث ضعيف سنداً منكر متناً، وضعفه أبو داود نفسه في روايته له برقم (٤١٠٤) .

ففي سنده سعيد بن بشر وهو ضعيف، وقتادة وهو مدلس وقد عنعن الحديث، وخالد بن دريك وهو لم يدرك عائشة - رضي الله عنها- فالسند بينهما منقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>