"فبما رحمةٍ من الله لنتَ لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" [آل عمران: ١٥٩] .
"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: ١٢٥] .
"ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم" [فصلت: ٣٣-٣٥] .
وقال -صلى الله عليه وسلم-:"ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه" مسلم (٢٥٩٤) .
أخي: لا بد أن تدرك جيداً أن هذا الخطأ الذي تراه في زوجتك ليس وليد يومٍ أو ساعة حتى تظن أن التغيير والإصلاح يتحقق في أقصر وقت، كلا! يجب أن تُدرك أن الأمر يحتاج صبراً جميلاً وحلماً واسعاً وحكمةً وتعقلاً.
إنّ هذه المظاهر الصوفية التي تراها في زوجتك هي نتاج نشأة طويلة في بيئةٍ تعزّزت فيها مظاهر الصوفية وطرقها، ومن ثَمَّ فلا عجب أن ترى في زوجتك بعض مظاهرها، وأن تجد منها محبةً وعصبيةً لها.
لا أقول هذا تسويغاً لواقعها ولا تهويناً لخطئها، كلا! ولكن حتى تكون واقعياً في دعوتها، ومن الواقعية: أن تأخذ المسألة بظروفها وأسبابها وما يحتفّ بها من مؤثرات ودعوات.
وهذه الواقعية تقتضي مراعاة الأمور التالية:
أولاً: اعلم أنه لا مندوحة لك عن التدرج في إصلاحها، فابدأ بالأهم فالأهم، فلا تُشغلك مسألة صغرى عن عظمى، فمثلاً: بدعة الذكر الجماعي ليست كبدعة المولد وما يلقى فيه من قصائد شركية، وتحلّ بالصبر والحلم والأناة، فالنجاح في التغيير مرهون بذلك.
ثانياً: اجتنب وأنت في بداية دعوتك لها مجابهتَها بسبِّ الصوفية - وإن كنا نعتقد ضلالها ونتعبد الله ببغضها-؛ ولكن على غرار قوله -تعالى-:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" [الأنعام: ١٠٨] . فزوجتك متعلقة بها محبِةٌ لها، والإنسان يتعصب بداهةً لما نشأ عليه، فهو ابن بيئته، وهو عدوٌ لما جهل، واجتناب سب الصوفية في هذه المرحلة ليس ضرباً من السكوت عن الباطل أو مهادنته، وإنما لأجل ترويض نفسها على قبول الحق والانصياع إليه.
وأعرِضْ عن مسألة التكفير؛ فتغيير واقع زوجتك وإصلاح حالها لا يتوقف على تكفير الجماعات الضالة، وجنوحك إلى مثل هذه الأفعال في البداية يقطع عليك طريق هدايتها والتأثير فيها، بل ربما دفعها إلى معاندتك والإصرار على ما هي عليه.
ولا تشتغل بقضية التفضيل بين رموز الصوفية وعلماء السنة؛ فهذا يجعلها تراك خصماً لا حكماً، ومعارضاً لا مصلحاً، ويجعلها تراك واقعاً فيما حذَّرْتها منه، وهو التعصب للشيوخ والرموز، وفي ذلك مجلبة للضغينة والمشاتمة، ومشغلة بالحواشي عن الأصول والقشور عن اللباب.
ولتعلم أن التدرج في تربيتها على أصول السنة ومنهجها ضمين لك أن يجعل منها امرأة صالحة قادرة على تمييز الخبيث من الطيب، والسنة من البدعة، والحق من الضلال.
ثالثاً: ثمَّة أرض مشتركة بينكما ينبغي لك أن تستثمرها لاستمالة قلبها وتهيئتها لقبول ما لديك من الحق، ومن الخطأ أن تتجاوزها بحجة الاتفاق عليها والتسليم بها، فأنت في ساحة دعوة ولست في أرض معركة، ولا في مقارعة خصم.