أحمد (١٣٣١٨) ، ويقول البراء بن عازب -رضي الله عنه-:" قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه البيهقي (٩/١٠) ، ويوم وفاته كان مظلماً في نفوسهم حتى إنه لم يكد أحدهم يصدق النبأ من شدة حبهم له، وعظم مصاب فراقه -صلى الله عليه وسلم- على نفوسهم التي امتلأت حباً له؛ حتى إن عمر -رضي الله عنه- وهو من أعظم الصحابة -رضي الله عنه- إيماناً وأشدهم بأساً أول ما بلغه الخبر أنكر على من قال: مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
خامساً: وراء مشاعر الفرح والحزن عند أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم- حب صادق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حملهم على التأسي به واتباع أمره واجتناب نهيه رغبة في صحبته ومرافقته في الجنة، قال -تعالى-:"ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً" [النساء:٦٩] وفي الحديث "المرء مع من أحب" رواه البخاري (٦١٦٨) .
سادساً: شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إيمانه وعبادته وخلقه وتعامله مع غيره
وفي جميع أحواله كانت شخصية مثالية في الواقع، ومؤثرة في النفوس؛ لأنها شخصية اجتمعت فيها صفات الكمال وإيحاءات التأثير البشري، واقترن فيها القول بالعمل؛ ولا ريب أن الإيحاء العملي أقوى تأثيراً في النفوس من الاقتصار على الإيحاء النظري؛ لهذه العلة أرسل الله الرسل ليخالطهم الناس ويقتدوا بهداهم، وأرسل الله الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليكون للناس أسوة حسنة يقتدون به، ويتأسون بسيرته، قال -تعالى-:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر وذكر الله كثيراًَ" [الأحزاب:٢١] ، وقد أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بالتأسي به فقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي" البخاري (٦٣١) ومسلم (٦٧٤) ، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"لتأخذوا مناسككم" مسلم (١٢٩٧) .
سابعاً: شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت شخصية حية أمام أصحابه في حياته
وأمام أتباعه بعد وفاته، وكانت نموذجاً بشرياً متكاملاً في جميع المراحل وفي جميع جوانب الحياة العملية، ونموذجاً عملياً في صياغة الإسلام إلى واقع مشاهد يعرف من خلال أقواله وأفعاله وسيرته فيتبع؛ لذا اصطفى -الله العليم بدواخل النفوس التي خلقها- رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- ليسهل على الناس امتثال أوامره والعمل بشرعه، وجعل اتِّبَاعَه دليلا على صدق محبته -سبحانه-، قال -تعالى-:"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" [آل عمران:٣١] .
ثامناً: شخصية الصحابة والصالحين والعلماء والدعاة وأهل الفضل والتقى على مر العصور خلفت شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته في عطائها وإيحائها وتأثيرها؛ لأنهم ورثة الأنبياء، يقتدي بهم الناس في اتباع هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- والعمل بسنته، وبقيت سيرهم بعد وفاتهم نبراساً يضيء طريق محبيهم إلى الخير، ويرغبهم في السير على منهج الحق والهدى.