والمعنى أن يكون مقارف المنكر مباشراً له في الحال أي وقت النهي أو التغيير، فليس هناك نهي على من باشر المنكر وانتهى منه، فذلك أمره إلى السلطات العامة لتوقيع العقاب عليه، وأيضاً ليس هناك نهي على المنكرات المستقبلية، كأن يعرف الناهي بقرينة الحال أن الشخص قد عزم على الشراب في ليلة فليس له إلا وعظه، وإن أنكر عزمه على ذلك لم يجز وعظه؛ لأن في ذلك إساءة ظن بالمسلم.
الشرط الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً دون تجسس:
أن يكون المنكر ظاهراً بغير تجسس أو تفتيش، فإذا توقف إظهار المنكر على إيهام لم يجز الإنكار لتحريم التجسس كتاباً وسنة، فالله يقول:"ولا تجسسوا ... "[الحجرات:١٢] وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية:"إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم" أبو داود (٤٨٨٨) وأحمد (١٠٨١) وصححه الألباني، وقوله - صلى الله عليه وسلم -:" يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" الترمذي (٢٠٣٢) وأبو داود (٤٨٨٠) وقال الألباني: حسن صحيح، ولكن ذلك مقيد بعدم ظهور آثار لذلك المنكر.
الشرط الرابع: أن يكون المنكر معلوماً بغير اجتهاد:
فكل أمر محل اجتهاد لا نهي فيه، وليس للمجتهد أن يتعرض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موضع الخلاف.
الشرط الخامس: أن يدفع المنكر بأيسر ما يندفع به:
ويشترط في دفع المنكر أن يدفع بما دفعه وبأيسر ما يدفعه، فلا يجوز أن يدفع المنكر بأقل مما يدفعه ما دام الدافع قادراً على دفعه بالأكثر، ولا يجوز أن يدفع بأكثر مما يدفعه لأن ما زاد على الحاجة يعتبر جريمة، ولكن يجوز دفع المنكر بأقل مما يدفعه في حال عدم القدرة كالدفع بالقلب لمن لا يستطيع الإنكار باليد أو اللسان ... ، وإذا كان المقصود بالأمر بالمعروف إيقاع المعروف والنهي عن المنكر فإذا ارتفع الغرض بالأمر السهل لم يجز العدول عنه إلى الأمر الصعب، وهذا مما يعلم عقلاً وشرعاً.
شروط القائم بالأمر والنهي:
(١) الإسلام. (٢) التكليف. (٣) العلم. (٤) القدرة.
الشرط الأول: الإسلام
وليس على غير المسلم التزام بمثل هذا الواجب؛ لأن معنى إلزامه به هو إلزام بالدعوة إلى غير ما يعتقده ويؤمن به، وذلك يدخل في باب الإكراه المنهي عنه في الإسلام في قوله تعالى "لا إكراه في الدين"[البقرة:٢٥٦] فضلاً عن أن ذلك معارض من وجهين:١- أن الاحتساب واجب ديني، وثانيهما أنه سلطة وولاية، وليس لغير المسلم ولاية على المسلم.
الشرط الثاني: التكليف:
ويشترط في من يمارس الرقابة أن يكون مكلفاً أي بالغاً عاقلاً لا يحول دون تكليفه حائل، وهذا الشرط شرط للوجوب وليس شرطاً للأداء، أي أن الرقابة باعتبارها واجباً لا يثبت إلا في حق المكلف فقط ويسأل عن تركها، بعكس غير المكلف الذي لا يلزم بأدائها ولا يسأل عن تركها.