أما إذا كانت الأدلة في المسألة متكافئة أو متعارضة فإنه لا حرج على المختلفين فيها ولا يجوز الإنكار فيها، وذلك كمسألة زكاة الحلي المعد للاستخدام والزينة، فمن أوجبه استدل بعددٍ من الأدلة الدالة على الوجوب، ومن لم يوجبه استدل بعددٍ من الأدلة الدالة على عدم الوجوب، ولأجل هذا فإن الإنكار على المخالف في مثل هذه المسائل لا يُشرع أبدًا؛ لأن الأدلة فيها متكافئة ومتعارضة في نظرنا.
وعلى كلٍّ فإن الواجب على طلبة العلم عمومًا أن يكون هدفهم البحث عن الحق والوصول إليه، وإذا حصل بينهم خلافٌ في شيءٍ من ذلك وكان الخلاف سائغًا يقوم كلٌّ منهم بواجب الأخوة وهو النصح والإرشاد والبيان، ولا يكون هدفه في ذلك الانتصار لنفسه أو لمنهجه أو لمذهبه وما إلى ذلك، وليكن ذلك بلينٍ ورفقٍ؛ فإنه أقرب إلى بيان الحق وقبوله.
أما ما يتعلق بالتبديع والتجريم فهو بابٌ عظيمٌ، والأصل في المسلم البعد عن مثل هذه الأبواب؛ لخطورتها وشدة أثرها على المسلمين عمومًا، إلا إذا اقترف أحدٌ ما يوجب تبديعه وتفسيقه كأن يُنكر شيئًا من الأدلة أو يخالف حكمًا انعقد الإجماع عليه، وليكن الحكم بالتبديع والتجريم لأهل العلم الراسخين دون غيرهم من عامة الناس.
على أنه ينبغي التنبيه إلى أن الذي لا يُنكر عليه في المسائل الخلافية هو العالم الذي يعرف الأحكام وله أهلية النظر في الأدلة، أما العامي إذا تكلم في الأحكام الشرعية المختلف فيها فإنه يُنكر عليه على كل حال، لا لأنه خالف في هذه المسألة، ولكن لأنه تكلم فيما ليس له به علمٌ، ولذلك قال أهل العلم إن فرض العامي سؤال أهل العلم؛ تحقيقًا لقوله تعالى:(فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[النحل:٤٣] . والله الموفق.