وأما ما ذكره السائل عن الشخص الذي يقول: إنه لو نظر إلى النساء المتبرجات فترة طويلة ثم قام فتوضأ فإن ذنوبه تخرج مع الماء. فهذا الكلام من إيحاءات الشيطان، نسأل الله السلامة والعافية، فالشيطان حريص على إضلال بني آدم وإيقاعهم في المحرمات، ويدخل عليهم من مداخل وطرق كثيرة؛ كما قال سبحانه عن الشيطان:(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف: ١٦، ١٧] . وقال سبحانه:(وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[البقرة: ١٦٨، ١٦٩] . والله سبحانه وتعالى أمر عباده بطاعته واجتناب معصيته، وأمرهم بغض البصر وحفظ الفرج، قال تعالى:(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[النور: ٣٠] . ودعا عباده إلى الاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الأنفال: ٢٤] . وحذر سبحانه الذين لا يستجيبون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، من أن يحال بينهم وبين قلوبهم؛ بمعنى يعاقبون بسبب ذنوبهم ومعاصيهم وعدم استجابتهم لأوامر الله، فلا يستطيعون الرجوع إلى الطاعة، وقد تخرمهم المنية وهم مقيمون على المعصية، أفلا يخشى من يقول هذا الكلام أن يحال بينه وبين قلبه، وألّا يوفّق لعمل صالح مقبول يكون مكفرًا لذنوبه، ثم إن إطالة النظر في النساء المتبرجات والإصرار على هذا يجعل المعصية كبيرة ويوقع الإنسان في الفتنة التي تجره إلى ما هو أعظم، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم، أمته من فتنة النساء، فقال صلى الله عليه وسلم:"مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ". أخرجه البخاري (٥٠٩٦) ، ومسلم (٢٧٤٠) من حديث أسامة بن زيد، رضي الله عنه، وقال أيضًا:"إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ". أخرجه مسلم (٢٧٤٢) من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.