هذا، وقول السائلة -في وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين- لكننا نرى من واقع الحياة أن كثيراً من النساء أعقل من الرجال، ومسألة الحيض ... إلى آخر سؤالها جوابه ما قاله المازري وغيره، فقد قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (ج٢ص٦٧) ، وما بعدها ما نصه: (قال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل" تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على ما وراءه وهو ما نبه الله تعالى عليه في كتابه بقول تعالى: "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى"[البقرة:٢٨٢] ، أي أنهن قليلات الضبط، قال وقد اختلف الناس في العقل ما هو؟ فقيل هو العلم، وقيل بعض العلوم الضرورية، وقيل قوة يميز بها بين حقائق المعلومات، هذا كلامه، قلت: والاختلاف في حقيقة العقل وأقسامه كثير معروف، لا حاجة هنا إلى الإطالة فيه، واختلفوا في محله، فقال أصحابنا المتكلمون هو في القلب، وقال بعض العلماء وهو في الرأس والله أعلم.
وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض، فقد يستشكل معناه وليس بمشكل، بل هو ظاهر، فإن الدين والإسلام مشتركة في معنى واحد، كما قدمنا في مواضع، وقد قدمنا أيضاً في مواضع أن الطاعات تسمى إيماناً وديناً، وإذا ثبت هذا علمنا أن من كثرة عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه، ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به؛ كمن ترك الصلاة أو الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه بلا عذر، وقد يكون على وجه لا إثم فيه؛ كمن ترك الجمعة أو الغزو أو غير ذلك مما لا يجب عليه لعذر، وقد يكون على وجه هو مكلف به؛ كترك الحائض الصلاة والصوم.
فإن قيل فإن كانت معذورة، فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض؟ وإن كانت لا تقضيها كما يثاب المريض والمسافر، ويكتب له في مرضه وسفره مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته وحضره.
فالجواب: أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب، والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيتها ترك الصلاة في زمن الحيض، بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في وقت، ويترك في وقت غير ناوٍ الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في سفره ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه) انتهى كلام النووي.
هذا وقول السائلة: ومسألة الحيض هي شيء كما ورد في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها كتبه الله على بنات آدم فكيف تحاسب النساء على شيء مكتوب عليهن؟ انظر ما رواه البخاري (٢٩٤) ، ومسلم (١٢١١) .