والتوحيد: هو أصل كل زكاة ونماء، فإن التزكي وإن كان أصله النماء والزيادة والبركة، فإنه إنما يحصل بإزالة الشر، فلهذا صار التزكي ينتظم الأمرين جميعاً، فأصل ما تزكو به القلوب والأرواح: هو التوحيد، والتزكية جعل الشيء زكياً، إما في ذاته وإما في الاعتقاد والخبر عنه، كما يقال: عدلته وفسقته، إذا جعلته كذلك في الخارج أو في الاعتقاد والخبر، وعلى هذا فقوله - تعالى-: "فلا تزكوا أنفسكم"[النجم: ٣٢] ، هو على غير معنى قوله - تعالى -: "قد أفلح من زكاها"[الشمس: ٩] ، أي لا تخبروا بزكاتها، وتقولوا: نحن زاكون صالحون متقون، ولهذا قال عقب ذلك:"هو أعلم بمن اتقى"[النجم:٣٢] ، وكان اسم زينب برة فقال - صلى الله عليه وسلم -: "تزكي نفسها" فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- زينب" رواه البخاري (٦١٩٢) ومسلم (٢١٤١) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقال في الحديث الآخر: "الله أعلم بأهل البر منكم"رواه مسلم (٢١٤٢) ، من حديث زينب بنت أم سلمة - رضي الله عنها -، وكذلك قوله - تعالى - "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم"؛ أي يعتقدون زكاءها، ويخبرون به كما يزكي المزكي الشاهد، فيقول عن نفسه ما يقول المزكي فيه، ثم قال الله تعالى: "بل الله يزكي من يشاء" [النساء: ٤٩] ، أي: هو الذي يجعله زاكياً، ومثله قوله -تعالى-: "قد أفلح من تزكى" [الأعلى: ١٤] ، ومنه ما رواه أحمد في مسنده (٢٥٧٥٧) وغيره من حديث عائشة - رضي الله عنها- أنها فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجدٌ، وهو يقول: رب أعط نفسي تقواها زكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها" وعند مسلم (٢٧٢٢) ، من حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير مَنْ زكَّاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها"، فهذا الدعاء كالتفسير لهذه الآية، وأن الله - تعالى - هو الذي يزكي النفوس، فتصير زاكية، فالله هو المزكي، والعبد هو المتزكي، وتزكية الآخرين بالثناء عليهم، أو الإخبار بتقواهم إذا لم يخف عليهم فتنة بإعجاب ونحوه جائزة، والله أعلم.