داود. ثم ذكر ابن القيم مثالاً آخر فقال:"وكذلك ذيل المرأة على الصحيح، وقالت امرأة لأم سلمة - رضي الله عنها- إني أطيل ذيلي - يعني ذيل العباءة أو الثوب- وأمشي في المكان القذر، فقالت- رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطهره ما بعده" رواه أحمد وأبو داود، وقد رخص النبي - عليه الصلاة والسلام- للمرأة أن ترخي ذيلها ذراعاً. ومعلوم أنه يصيبه القذر، ولم يأمرها بغسل ذلك، بل أفتاهن بأنه تطهره الأرض"، ثم ذكر مثالاً آخر فقال:"ومن ذلك أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الصلاة حيث كان، وفي أي مكان اتفق، سوى ما نهى عنه من المقبرة والحمام، وأعطان الإبل، فصح عنه - عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فحيثما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فليصل". وكان - عليه الصلاة والسلام- يصلي في مرابض الغنم، وأمر بذلك، ولم يشترط حائلاً - يعني سترة بين المصلي وبين الأرض ... "، فأين هذا الهدي من فعل من لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط، فوق الحصير، ويضع عليها المنديل، ولا يمشي على الحصير ولا على البساط، بل يمشي عليها نقراً كالعصفور، فما أحق هؤلاء بقول ابن مسعود - رضي الله عنه-: "لأنتم أهدى من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- أو أنتم على شعبة ضلالة! ". وقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على حصير قد اسود من طول ما لبس، فنضحه بالماء، وصلى عليه، ولم يفرش فوقه سجادة ولا منديل، وكان يسجد على التراب تارة، وعلى الحصى تارة، وفي الطين تارة، حتى يرى أثره على جبهته وأنفه، وقال ابن عمر - رضي الله عنهما-: " كَانَتْ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وتَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، ولَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ" رواه البخاري ... ثم ذكر - رحمه الله - مثالاً آخر فقال:"ومن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب -رضي الله عنها-، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها"متفق عليه، وهو دليل على جواز الصلاة في ثياب المربية، والمرضع، والحائض، والصبي ما لم يتحقق نجاستها" ا. هـ، هذا غيض من فيض، مما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه القيم إغاثة اللهفان، وهو -كاسمه- يغيث اللهفان عن مصائد الشيطان وحبائله. وبكل حال، فعلى الأخت السائلة أن تناصح أختيها الكريمتين بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن توضح لهما بأن الله - عز وجل- غني عن هذا التشديد الذي ما أنزل الله به من سلطان، وبأن الدين - ولله الحمد- يسر، لا عسر فيه ولا حرج، لا في باب الطهارة وإزالة النجاسة، ولا في غيره من الأبواب، وهذا واضح جلي للعامة فضلاً عن خاصة أهل العلم، ولكن عدو الله - إبليس- لم يزل ولا يزال يوسوس على كل بحسبه، فإذا لم يستطع أن يوقع الرجل أو المرأة في الشرك أو في المعاصي الظاهرة، فإنه يفسد عليه عمله الصالح بالغلو فيه أو في كثرة الشكوك، ونحو ذلك، كما قال بعض السلف: "ما أمر الله - تعالى- بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر" قال ابن القيم في الإغاثة (١/١١٦) : "وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل في هذين الواديين؛ وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم جداً الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وأصحابه - رضي الله عنهم- فقوم قصَّر بهم عن الإتيان بواجبات الطهارة، وقوم تجاوز بهم إلى مجاوزة الحد بالوسواس.." ا. هـ، فاللهم، اجعلنا من أقل القليل ممن هديتهم - بفضلك - إلى صراطك المستقيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.