لقد دلَّ الكتاب والسنة على تحريم الغناء، والغناء الذي ورد النهي عنه هو إنشاد الشعر بالألحان ولا سيما مع آلات العزف، وقد جاء عن الصحابة- رضي الله عنهم- تفسير الزور في قوله:" والذين لا يشهدون الزور"[الفرقان:٧٢] وتفسير لهو الحديث في قوله - تعالى-:" ومن الناس من يشتري لهو الحديث"[لقمان:٦] وتفسير صوت الشيطان في قوله - تعالى -:" واستفزز من استطعت منهم بصوتك"[الإسراء:٦٤] وتفسير اللغو في قوله - تعالى -:" وإذا مروا باللغو"[الفرقان:٧٢] جاء عن السلف تفسير هذا كله بالغناء، وجاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال:" الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" رواه أبو داود (٤٩٢٧) مرفوعاً بسند ضعيف، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/٢٢٣) موقوفاً، وانظر تلخيص الحبير (٢١١٣) . وجاء عن السلف قولهم:" الغناء رقية الزنى" ولا ريب أن الشعر المُلحن مع الآلات يُطرب، ومصدر الطرب هو الأصوات والأنغام، بقطع النظر عن المعاني، ولكن لا ريب أن الغناء أنواع فبعضه شر من بعض، فالغناء الذي يثير غرائز الجنس ويهيّج على فعل الحرام من الزنى أو الظلم والعدوان، أو يُحبب ما يبغضه الله ورسوله من الأقوال والأفعال أنه أقبح من الغناء الذي يسميه أهله غناءً دينياً، ويضمنونه معاني صحيحة، وقد يضمنونه مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهل البيت، وهذا المدح تارة يكون مشوباً بالغلو، وحينئذ فإنه مع ما يورثه من الطرب واللهو فإنه يغرس في القلب الغلو في الدين ومنه الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والغلو في أهل بيته، وأهل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أغنياء بما أكرمهم الله به من الفضائل عن الغلو في إطرائهم، فالواجب اجتناب الغناء كله، والإقبال على سماع القرآن والحديث، ولا بأس بقراءة الشعر غير ملحن وغير مقرون بالآلات، وهو الشعر النظيف المشتمل على الترغيب بالفضائل ومكارم الأخلاق، أو مدح من يستحق المدح بحق وباعتدال دون إفراط وتجاوز للحدود، ودون توسع في ذلك، فإن التوسع في المباح لا بد أن يكون على حساب الأعمال الصالحة الجليلة، والعاقل الحازم هو من يؤثر الأعلى على الأدنى، ويقدم الأفضل على الفاضل، فأوصي السائل وكل من يقرأ هذا الجواب ألا يغتر بهذه الأشعار التي هي مما يعتني به المتصوفة الذين يتدينون ويعبدون الله بسماع القصائد، ويستغنون بها عن سماع القرآن، ويظنون أنهم بذلك محسنون، فهم مبتدعون ومسيؤون من حيث يشعرون أولا يشعرون، وقد تكون هذه الأشعار الدينية الصوفية أقبح من الأشعار التي تثير الغرائز، من جهة ما يخشى منها من غرس البدع الاعتقادية، ومن التدين بما لم يشرعه الله، فأصحاب هذا السماع يقبلون عليه ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، بينما المفتونون بالأغاني الخليعة يعترفون بأنهم عاصون في ذلك، ويهمون بالتوبة، ويجاهدون أنفسهم في ذلك، بينما لا يفكر بذلك أصحاب السماع المبتدع؛ لأنهم يظنونه ديناً وهو من دين الشيطان " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً "[فاطر:٨] فينبغي للسائل وغيره أن يقرأ ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في هذا الشأن سيما كتابه في تحريم السماع وهو مطبوع مشهور.