(هـ) العدل والإنصاف والتوازن والاعتدال والنظر إلى حال المرء من جميع الجوانب وعدم التركيز على الخطأ القليل وترك الصواب الكثير، والإنسان يوصف بما غلب عليه لا بما ندر من أحواله، وحاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- فعل أمرًا عظيمًا يوم فتح مكة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عفا عنه وقال:"لعلَّ اللهَ اطَّلَع على أهلِ بدرٍ فقال: اعمَلُوا ما شِئْتُم فقَد غَفَرتُ لكُم". أخرجه البخاري (٣٠٠٧) ومسلم (٢٤٩٤) . ومن هنا قال ابن القيم: فوقعت تلك السقطة العظيمة مُغتفَرَةً في جنب ماله من الحسنات.
والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه- كما قال ابن رجب- وإنما العبرة بكثرة المحاسن- كما قرر ذلك الذهبي، وزاده إيضاحًا بقوله: ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر ذلك ولا نُضلِّله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم لا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك. ا. هـ
والختام هنا قاعدة جليلة لابن القيم: لو كان كل من أخطأ أو غلط ترك بالجملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات وتعطلت معالمها.
وبعد ما سبق نأتي على مقصود السائل، لأن الإجابات إنما تفهم في ضوء القواعد الكلية والآداب المرعية، والمقاصد الشرعية لتكون أصلاً يرجع إليه، ونموذجًا يقاس عليه، وقبل ذلك تكون الكليات مُعِينة على رشد العقل، ومذكرة بحسن القصد وموصلة إلى صواب المنهج.
وأما الرجل المسؤول عنه فإنه ولد ونشأ في أسرة متعلمة، وكان والده الشيخ احمد عبد الرحمن من علماء الحديث الأفذاذ- وهو مؤلف كتاب (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام احمد بن حنبل) - وتلقى علومه في مدارس مصر وتخرج من دار العلوم في القاهرة، كما تتلمذ على الشيخ محمد رشيد رضا وتأثر به، وشارك في إنشاء عدد من الجمعيات التي تدعو إلى الفضيلة والأخلاق وتحارب المنكرات إلى أن أسهم في تأسيس جمعية الشبان المسلمين عام ١٩٢٧ وخلص منها إلى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية في مارس ١٩٢٨، وأتبعها لاحقًا بقسم (الأخوات المسلمات) في أبريل ١٩٣٣. وكان له نشاط كبير في الدعوة إلى الجهاد لتحرير فلسطين، وأرسل أعدادًا كبيرة من الإخوان المسلمين ليشاركوا في تحرير فلسطين فأبلوا بلاء حسنًا
ونحن لم نر الإمام حسن البنا لكن الثقات من الدعاة والعلماء الأجلاء أثنوا عليه خيرًا وشهدوا له بالإمامة والورع والتقوى واعتبره عدد غير قليل منهم مجدد القرن الرابع عشر، رحمه الله تعالى.