خامساً: ترتب هذا الثواب العظيم على هذا الذكر دليل على شرفه، وفضله، وعظيم ما احتواه من المعاني، ففيه توحيد الله - جل جلاله - بقوله:(لا إله إلا الله) ، وتأكيد هذا التوحيد بقوله:(لا شريك له) ، وتمجيده - جل وعلا - بقوله:(له الملك) ، وحمده -سبحانه وتعالى - بقوله:(له الحمد) ، والثناء عليه وتعظيمه - سبحانه - بقوله:(وهو على كل شيء قدير) .
فمن قال هذا الذكر فقد وحد ربه، ومجّده، وحمده، وعظّمه، وأثنى عليه، وهو - سبحانه - أهل الثناء والمجد، جل ربنا وتعالى وتقدس.
سادساً: ما ذكر في هذا الحديث من ثواب هذا الذكر ليس حصراً للثواب، وإنما ذكر لبعضه، وللذكر فوائد وثمرات طيبة مباركة من أجلّها: ذكر المولى - جل وتقدس - لعباده الذين يذكرونه:"فاذكروني أذكركم " فهل ثمة شرف لهذا المخلوق الضعيف أعظم من أن يذكره مالك الملك في الملأ الأعلى؟ كما في الحديث القدسي " وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملأ خير منهم ". أخرجه البخاري (٧٤٠٥) .
وارجع - زادك الله توفيقاً وهدى - إلى مقدمة (الوابل الصيّب) للإمام الرباني ابن القيم، فإنه سيوقفك على فوائد مجتناة في فضل الذكر يفصلها لك بِنَفَس العالم المتألّه الذي عرف فوصف، وذاق طعم المناجاة والذكر، فأخبر عنها خبر العارفين.
سابعاً: في هذا الحديث مشهد من مشاهد كرم الله وجوده، وسعة فضله، حيث يعطي هذا العطاء الغامر ثواباً لعمل يسير لا يأخذ من جهدك ووقتك إلا أقل القليل، ولكنه عطاء الكريم الغني، كما أن فيه دلالة على باب من أبواب الخير، وطريق من طرق كسب الثواب، وكان من فضل الله - جل جلاله - أن نوّع طرق الخير ويسرها، حتى يجد كل ما يناسبه ويقدر عليه، وقد بوب النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه الماتع (رياض الصالحين) باب في كثرة طرق الخير، وألف الحافظ الدمياطي كتابه الحفيل (المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح) فجمع فيه فأوعى من الأحاديث الدالة على أنواع من أعمال الخير مثاب عليها بعظائم الأجور، وهو لك مفيد إذا رجعت إليه مع التثبت من صحة الأحاديث المذكورة فيه.
جعلنا الله وإياك من المسارعين إلى الخيرات، ورزقنا إخلاص القصد، وصدق القول، وصلاح العمل، والله أعلم.