والنوع الثاني - ما يختلف باختلاف أحوال الناس - كأن يكون العبد عاجزًا عن العمل الأفضل، إما عاجزًا عن أصله، كمن لا يحفظ القرآن، ولا يستطيع حفظه، أو عاجزًا عن فعله على وجه الكمال مع قدرته على فعل المفضول على وجه الكمال، ومن هنا قال من قال: إن الذكر أفضل من القرآن، فإن الواحد من هؤلاء قد يخبر عن حاله، فالواحد من هؤلاء يجد في الذكر من اجتماع قلبه، وقوة إيمانه، واندفاع الوسواس عنه، ومزيد السكينة، والنور، والهدى ما لا يجده في قراءة القرآن، بل إذا قرأ القرآن لا يفهمه أو لا يحضر قلبه وفهمه، ويلعب عليه الوسواس والفكر، كما أن من الناس من يجتمع قلبه في قراءة القرآن وفهمه وتدبره، ما لا يجتمع في الصلاة، بل يكون في الصلاة بخلاف ذلك، وليس كل ما كان أفضل يشرع لكل أحد، بل كل واحد يشرع له أن يفعل ما هو أفضل له، فمن الناس من تكون الصدقة أفضل له من الصيام، وبالعكس، وإن كان جنس الصدقة أفضل، ومن الناس من يكون الحج أفضل له من الجهاد، كالنساء، وكمن يعجز عن الجهاد، وإن كان جنس الجهاد أفضل، ونظائر هذا متعددة.
إذا عرف هذان الأصلان عرف بهما جواب هذه المسألة وغيرها مما يتعلق بقاعدة التفضيل، وبناءً عليه يقال: إن الأذكار المشروعة في أوقات معينة -مثل ما يقال عند جواب المؤذن- أفضل من القراءة في تلك الحال، وكذلك ما سنه النبي -صلى الله عليه وسلم-; فيما يقال عند الصباح والمساء، وإتيان المضجع هو مقدم على غيره، وأما إذا قام من الليل فالقراءة له أفضل إن أطاقها، وإلا فليعمل ما يطيق.