للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وهكذا دعاء المسألة إلا فيما يوجه للمخلوق الحي، الحاضر، القادر؛ فليس من العبادة؛ لقصة موسى المذكورة في سورة القصص، وهي قوله -سبحانه-:"فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه" [القصص:١٥] .

والأدلة على ذلك كثيرة) .

تلازم نوعي الدعاء: من خلال ما مضى يتبين لنا أن نوعي الدعاء متلازمان؛ ذلك أن الله-عز وجل-يدعى لجلب النفع ودفع الضر دعاءَ المسألة، ويدعى خوفاً ورجاءً دعاءَ العبادة؛ فَعُلِم أن النوعين متلازمان؛ فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة. (انظر بدائع الفوائد،٣/٣) .

أمثلة لتلازمهما:

١-قال تعالى: "وقال ربكم أدعوني أستجب لكم". [غافر:٦٠] أي أستجيب طلبكم، وأتقبل عملكم.

ولهذا قال تعالى: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [غافر:٦٠] .

فسمى الله ذلك عبادة؛ وذلك لأن الداعي دعاء المسألة يطلب سؤله بلسان المقال، والعابد يطلب من ربه القبول والثواب، ومغفرة الذنوب بلسان الحال.

٢-قال تعالى:"وادعوه مخلصين له الدين ". [الأعراف:٢٩] ، فَوَضْعُ كلمة "الدِّين" موضع كلمة "العبادة"، -وهو كثير في القرآن- يدل على أن الدعاء هو لب الدين، وروح العبادة.

ومعنى الآية هنا: أخلصوا له إذا طلبتم حوائجكم، وأخلصوا له أعمال البر والطاعة.

٣-قال تعالى: "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً" الآية. [يونس:١٢] .

يدخل في قوله:"دعانا" دعاء المسألة؛ فإنه لا يزال مُلِحَّاً بلسانه، سائلاً دفع ضرورته.

ويدخل فيه دعاء العبادة؛ فإن قلبه في هذه الحال يكون راجياً طامعاً منقطعاً عن غير الله، عالماً أنه لا يكشف ما به من السوء إلا الله، وهذا دعاء عبادة.

٤-قال تعالى:"ادعوا ربكم تضرعاً وخفية" [الأعراف: ٥٥] .

فقوله تعالى "ادعو" يدخل فيه الأمران؛ فكما أن من كمال دعاء الطلب كثرة التضرع، والإلحاح، وإظهار الفقر والمسكنة، وإخفاء ذلك، وإخلاصه فكذلك دعاء العبادة؛ فإن العبادة لا تتم، ولا تكمل إلا بالمداومة عليها، ومقارنة الخشوع، والخضوع، وإخفائها، وإخلاصها لله تعالى.

٥-قال تعالى: "فلا تدعو مع الله إلهاً آخر" [الشعراء: ٢١٣] .

فقوله: "ومن يدعو مع الله إلهاً آخر لا برهان له به" [المؤمنون:١١٧] . وقوله:"فلا تدعو مع الله أحداً ". [الجن: ١٨] .

يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة؛ فكما أن من طلب غير الله حاجة لا يقدر عليها إلا الله فهو مشرك كافر، فكذلك من عبد مع الله غيره فهو مشرك كافر.

٦-قال تعالى:"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف:١٨٠] . يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة؛ أما دعاء المسألة فإنه يسأل الله- تعالى- في كل مطلوب باسم يناسب ذلك المطلوب ويقتضيه، فمن سأل رحمة الله ومغفرته دعاه باسم الغفور الرحيم، ومن سأل الرزق سأله باسم الرزاق، وهكذا....

أما دعاء العبادة فهو التعبد لله تعالى بأسمائه الحسنى، فيفهم أولاً معنى الاسم الكريم، ثم يديم استحضاره بقلبه حتى يمتلىء قلبه منه؛ فالأسماء الدالة على العظمة والكبرياء تملأ القلب تعظيماً وإجلالاً لله تعالى.

والأسماء الدالة على الرحمة، والفضل والإحسان تملأ القلب طمعاً في فضل الله ورجاء رَوْحِه ورحمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>