جاء في حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في الصحيحين "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب: رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أو سعيد"، فدل الحديث على أن نفخ الروح يجعل الجنين كائناً حياً له حرمته وحقوقه الإنسانية، ولا يجوز الاعتداء عليه، ولو من أقرب الناس إليه، فلو تسببت الأم مثلاً في قتل جنينها بأي سبب لزمتها ديته وكفارة عتق رقبة، فالإجهاض بعد أربعة أشهر (١٢٠يوماً) كما في هذا الحديث هو قتل للنفس بغير حق، ويدخل في الوأد المحرم بقوله تعالى:"وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ"(التكوير:٨-٩) ، وذكر بعض الفقهاء حرمة إسقاط الجنين بعد (٨٠) يوماً، وقالوا: وإن لم تنفخ فيه الروح فقد تم فيه خلق الإنسان؛ أي تميزت هذه المضغة وتشكلت بشكل أعضاء الإنسان من عصب، ولحم، وعظم، وظهرت فيه صورته الجنسية من الذكورة والأنوثة، ونحوها، وهذا القول يتفق مع ما يراه الأطباء في عصرنا، وقد أفتى بعض الفقهاء اليوم بجواز الإجهاض إذا كان بقاء الجنين في بطن أمه خطراً محتماً على حياتها، أو قرر الأطباء المختصون أن الجنين سيتعرض لتشوهات خطيرة تجعل حياته - إن حيي - شقاء وعذاباً له، ولأهله، وذلك لأن الأم أصل في حياة الجنين، والجنين فرع عنها، فلا يضحى بالأصل من أجل الفرع، ولا تؤثر إجازة قوانين البلد للإجهاض على الحكم الشرعي بتحريمه، ولا أرى تشوه الجنين مبرراً للإجهاض بحال، فإن قتل النفس والمشاركة في ذلك حرام، ومهما كان الأمر فيبقى رأي الطب في تشوه الجنين أمراً احتمالياً ظنياً، فكم من طفل ولد مشوهاً فشفي, وكم من مولود قرر الأطباء أن فيه الحمى المنغولية فعافاه الله، ثم إن التشويه الخلقي وانفصام الشخصية ليس معيباً في كل حال، ولا عند كل الناس، فهو أمر نسبي يتفاوت الناس في تقبله والرضاء به.
وتأسيساً على ما سبق لا يجوز لكم تعلم الإجهاض إذا كان الجنين بلغ أربعة أشهر، ويجوز قبل هذه الفترة الزمنية للجنين إن كان ذلك لازماً من لوازم تخصصكم، وإن لم يكن فعليكم الاكتفاء بالمشاهدة عن طريق الصورة التلفزيونية الحية إن أمكن ذلك، وإن لم يمكن فلا بأس عليكم إن شاء الله، على أن يكون الجنين المراد في عملية الإجهاض لم تنفخ فيه الروح، والله أعلم.