الأمر الثاني: أن يتوب ذلك الشاب مما اقترفه من ذنوب في القتل والإفساد قبل أن تقبض عليه السلطة أو يسلم نفسه لها مختارًا تائبًا، فهذا تنطبق عليه الآية الثانية للحرابة:(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة: ٣٤] . فهذا لا يجوز أن يلحق به عقوبة..... من قتل أو سجن أو ضرب، وإنما اختلف العلماء هل يطالب التائب قبل أن يقدر عليه بضمان ما أتلفه من حقوق الناس (الحق الخاص) ، الصحيح أنه لا يضمن، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وعدد من المحققين من العلماء، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين يوم فتح مكة حين قال:"مَن دخَل دارَ أبي سُفيانَ فهُو آمِنٌ، ومَن أَلْقَى السِّلاحَ فهُو آمِنٌ، ومَن أغلَق عليه بابَه فهُو آمِنٌ ... ". أخرجه مسلم (١٧٨٠) . ومشركوا مكة حينئذ قد جمعوا بين قتل المسلمين وأخذ أموالهم، فعفا عنهم ولم يضمنهم الأمرين ولا أحدهما، وكذلك فعل علي بن أبي طالب, رضي الله عنه, مع الخوارج الذين قاتلوه - كما ذكره ابن تيمية وابن أبي الدنيا- (كان حارثة بن بدر بن تميم من أهل البصرة قد حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأفسد في الأرض، فكلم رجالاً من قريش يكلمون له علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فجاءه سعيد بن قيس الهمداني وقال: يا أمير المؤمنين: ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ فتلا عليه آيتي الحرابة في سورة المائدة، قال سعيد: وإن كان حارثة بن بدر التميمي جاءك تائبًا؟ قال: نعم. فجاء به ربيعة فبايعه وقبل ذلك منه, وكتب له أمانًا.
وجاء رجل إلى أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، بعد أن صلى معه الغداة، ثم قال له: هذا (المسجد) مقام العائذ التائب، أنا فلان بن فلان، كنت ممن حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجئت تائبًا من قبل أن يُقدر علي. قال أبو موسى, رضي الله عنه: إن فلانًا ممن حارب الله ورسوله جاء تائبًا قبل أن يُقدر عليه فلا يَعْرِضْ له أحد إلا بخير، فإن يكن صادقًا فسبيلي ذلك، وإن يكن كاذبًا فلعل الله أن يأخذه بذنبه.
وأخيرًا: إن علاج هذه الظواهر في مجتمعنا من قتل وتدمير وإفساد تقع المسؤولية فيه على جميع فئات الشعب السعودي وطبقاته من الحكام والعلماء والدعاة والمربين، وأولياء الأمور، وليست مسؤولية فئة معينة، وإن كانت هذه الفئات تختلف في درجات تحمل هذه المسؤولية.
كما يجب أن يُعلم علم اليقين أن الاعتماد على الحل الأمني وحده لا يكفي، إن لم يزد الأمر استفحالاً، والمشكلة مبناها وأساسها ديني فكري هو التكفير لبعض تلك الفئات المشار إليها في مسؤولية العلاج؛ لمنكرات رأوها فيهم، ولا أظن أن تنتهي حوادث التفجير قبل أن يقضى على دعاوى التكفير وشبهه ومبرراته، ولن يكون ذلك إلا بالحوار الفكري بين الطرفين في جو أمني آمن مثل ما فعل علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه، مع الخوارج لما أمنهم وأرسل إليهم عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، فحاورهم بالعقل والدليل فرجع منهم أربعة آلاف يمثلون الثلث من الخارجين عليه.
وفق الله الجميع إلى كل خير، اللهم اهد ضال المسلمين، وارزقنا الأمن والأمان، واكفنا شر الأشرار، آمين.