للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السماء كروية نعم، وقد دلَّت على هذا عدة آيات من القرآن الكريم ليست صريحة لكنها محتملة للمعنى، وذكر أئمة الإسلام ذلك في أكثر من مكان على أن السماء كروية ومحيطة بالأرض من كل جانب كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: ( ... وإنما نفى ذلك جزماً بغير مثل ... نفى بعض الجهال أن تكون الأفلاك مستديرة، فمنهم من ينفي ذلك جزماً ومنهم من ينفي الجزم به على كل أحد وكلاهما جهل، فمن أين له نفي ذلك أو نفي العلم به عن جميع الخلق؟ ولا دليل له على ذلك إلا ما قد يفهمه بفهمه الناقص هذا، وقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة أن الأفلاك مستديرة قال الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" [فصلت:٣٧] ، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" [الأنبياء:٣٣] ، قال تعالى: "لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" [يّس:٤٠] ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في فلكة مثل فلكة المغزل، وهكذا هو في لسان العرب الفلك الشيء المستدير، ومنه يقال تفلك ثدي الجارية إذا استدار قال تعالى: " يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ" [الزمر:٥] ، والتكوير هو التدوير ومنه قيل كار العمامة وكورها إذا أدارها، ومنه قيل للكرة كرة وهي الجسم المستدير، ولهذا يقال للأفلاك كروية الشكل؛ لأن أصل الكرة كورة تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وكورت الكارة إذا دورتها ومنه الحديث: "إن الشمس والقمر يكوران يوم القيامة" انظر: (الفتاوى ٢٥/١٩٣) وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى - كما في تفسيره: (فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام ... ) انظر: تفسير القرآن العظيم (٢/٥٠٠) وفي روح المعاني للإمام الألوسي رحمه الله تعالى: (وكون السماء كروية لا تقبل الخرق والالتئام مما لا يتم له دليل عندنا، وظاهر كلام أهل الهيئة الجديدة جواز الخرق والالتئام على الأفلاك (روح المعاني ٨/١١٨) ، كما ذكر ذلك كل من الإمام ابن حزم كما في الإحكام (٢/٢١٦) وفي كشف الظنون للإمام حاجي خليفة (١/٥١٠) وفي حاشية السندي (٣/١٤٢) ومفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم (٢/٢١٢) ، وغيرهم ذكروا الكثير من الكلام الواضح في كروية السماء، وإحاطتها بالأرض من كل ناحية، والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>