ثالثًا: أن المسلم المعافى ربما عمل في حال الصحة، من البر والخير والمعروف، وتحصيل العلم النافع، ونحو ذلك من الأعمال المتعدية، ربما عمل في هذه الحال ما لا يمكن أن يقوم به في حال المرض، لاسيما وأنه ربما لا يصبر على معاناة المرض، وربما حمله ذلك على التسخُّط والجزَع، فيقع فيما لا تحمد عقباه، ونظير هذا: التصدق بجميع المال، فإنه لا يستحب إلا لمن يصبر على الضيق والفقر، ولهذا قبِل النبي صلى الله عليه وسلم- صدقة أبي بكر، رضي الله عنه، حين جاء بماله كله. انظر ما رواه الترمذي (٣٦٧٥) وأبو داود (١٦٧٨) ، من حديث عمر، رضي الله عنه، ولما جاءه رجل بمثل البيضة من الذهب، وقال: يا رسول الله، خُذْ هذه مني صدقةً، فواللهِ ما أصبَح لي مالٌ غيرها. أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه من الشق الثاني فأعرض عنه، ثم جاءه من قبل وجهه، فأخذها منه، فحذفه بها حذفةً، لو أصابه عقره، أو أوجعه، ثم قال عليه الصلاة والسلام:"يَأْتِي أحدُكُمْ إلى جميعِ مَا يَمْلِكُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، ثم يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسُ! ". ثم قال:"إنَّمَا الصدقةُ عَن ظَهْرِ غِنًى". أخرجه ابن حبان في صحيحه (٨/١٦٥) . ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم- لكعب بن مالك، رضي الله عنه، حين قال له: إنَّ مِن توبتي أنْ أَنخَلِعَ مِن مالي. فقال له عليه الصلاة والسلام:"أَمْسِكْ عليكَ بعضَ مالِكَ فهُو خَيْرٌ لَكَ". متفق عليه عند البخاري (٢٧٥٨) ومسلم (٢٧٦٩) . قال في عمدة القاري (٨/٢٩٤) : وإنما منع النبي صلى الله عليه وسلم- كعبًا، رضي الله عنه، عن صرف كل ماله، ولم يمنع أبا بكر، رضي الله عنه، عن ذلك؛ لأنه كان شديد الصبر، قوي التوكل، وكعب لم يكن مثله. اهـ. فعليك يا أخي الكريم- برخصة الله لك، واستعن بالله، وفضل الله واسع، والله ذو الفضل العظيم. والله أعلم.